خرج الالاف من اللبنانيين واللبنانيات، الى الشوارع والساحات العامة، في العاصمة بيروت وسائر المناطق اللبنانية ،حراك شعبي على الارض، مفتوح على كل الاحتمالات، واللبنانيون ما عادوا قادرين على التحمل، وكل جريمتهم، انهم امام سلطة سياسية متسلطة، وقابضة على زمام الامور، ولا ترى سوى مصالحها الشخصية، وهو حراك يتقاطع مع حراك عربي ودولي، عبر السفراء المعتمدين في لبنان، لكل من مصر والسعودية والكويت وفرنسا، كل على حدة والاميركيون يراقبون بحذر شديد، اي تقدم اوروبي، على خط الوضع اللبناني الذي بات انهياره على بعد اسابيع .
وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية فالليرة اللبنانية إلى مزيد من التدهور مقابل سعر صرف الدولار المتفلّت من كل الضوابط، وفي غضون ثلاثة أشهر، أي في ايلول المقبل قد يصل عدد العاطلين من العمل الى مليون لبناني، في وقت تتواصل الاحتجاجات في مختلف المناطق نتيجة تردّي الأوضاع المعيشية بالنظر الى انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية . مع تصاعد في منسوب الشغب الى حد تحطيم وإحراق الممتلكات العامة والخاصة في وسط بيروت التجاري.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية رأت أن التظاهرات الأخيرة جاءت بطريقة عفوية وغير منسقة، بعد أن شاهد اللبنانيون فشل الحكومة مراراً في تنفيذ الإصلاحات، في حين انخفضت قيمة رواتبهم ومدخراتهم، مشيرة إلى أن جام غضب اللبنانيين ينصب على البنوك. وقالت الصحيفة إن تدهور سعر صرف الليرة دمّر القوى الشرائية للكثير من اللبنانيين، في حين توقفت شركات ومؤسسات عدة عن تسليم البضائع خشية تسجيل الليرة انهياراً إضافيا، ما ينعكس خسائر في رؤوس أموال الشركات.
وكانت تقارير وأبحاث دولية قدرت أن نحو مليون لبناني سيصبحون بلا أعمال ورواتب في النصف الثاني من السنة الجارية، تزامناً مع ارتفاع حاد في أسعار الغذاء. كما أن العزل المفروض منذ 15 آذار لمكافحة فيروس كورونا سرَّع وتيرة هذا المنحدر الهابط. فمع حرمان الشركات والأعمال من الائتمان وانهيار الطلب، فقد 20 في المئة من القوة العاملة وظائفهم قبل الجائحة. ومع انتهاء العزل تدريجياً في البلد سيجد عدد أكبر من الموظفين، الذين سُرّحوا مؤقتاً من أعمالهم من دون رواتب، أن شركاتهم لا تزال مغلقة، وأن وظائفهم ذهبت في مهب الريح.
إقرأ ايضا : تحركات شعبية في بيروت والمناطق بعدما وصل الدولار عتبة ال 7000
رئيس الحكومة حسان دياب طمأن اللبنانيين أن حكومته باقية، في حين يبدو ان الانهيار المالي باقٍ ويتمدد طالما ان السلطة السياسية الحاكمة تتمنع عن اجراء اصلاحات جذرية ومكافحة الفساد، ووقف التهريب وإصلاح الكهرباء، وتستعيض عنها بتشكيل لجان وبقرارات حبر على ورق. وآخر القرارات الحكومية، هو التوافق مع مصرف لبنان، على البدء بضخ دولارات في السوق، اعتباراً من يوم الاثنين لمواجهة التدهور غير المسبوق في سعر الليرة، إضافة إلى تشكيل خلية أزمة برئاسة وزير المالية لمتابعة التطورات. علما بأن احتياطي المصرف المركزي، وفق سلامة نفسه، لا يتعدى 20 مليار دولار في حين تقدره وكالة فيتش بـ5 مليارات قابلة للاستخدام فقط، وهو مبلغ لن يكفي لمدة طويلة، في حال استمر ضخ الدولارات بوتيرة متزايدة، خصوصاً أنّ المصرف المركزي يتولّى في الوقت عينه عمليات دعم بمئات ملايين الدولارات، للمواد الحيوية، كالمازوت والقمح والأدوية والمواد الغذائية.
وفي برهان ساطع على تخبّط وعشوائية الحكومة في تعاملها مع أزمة غير مسبوقة في لبنان، قررت الحكومة مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة، أي إلى توحيد أرقام الخسائر المالية بين خطة الحكومة وخطة جمعية المصارف؛ وذلك بعد 13 اجتماعاً بين وفد الحكومة اللبنانية وصندوق النقد. رهان على الوقت بعض الخبراء الاقتصاديين يعتبرون ان الحكومة تراهن على الوقت بانتظار بشرى ما من صندوق النقد الدولي، او بانتظار متغيّرات في السياسة الأميركية، لكنها تراوح في مأزقها، اما عملية ضخ الدولارات فهي ابرة مخدرة، سيزول مفعولها بعد وقت قصير، ليسوء الوضع بعدها أكثر فأكثر، علما بأن هذه العملية سيستفيد منها حزب الله عن طريق التجار الذين يدورون في فلكه؛ إذ إنهم يحصلون على الدولارات من المصرف المركزي ثم يتم ضخها في أسواق الضاحية لتتجه بعدها بطريقة منظمة إلى دوائر حزب الله او الى سوريا. في حين ان لبنان تحت مجهر المراقبة، وعلى بعد يومين من عقوبات قانون قيصر الأميركي.
جهات دولية ومحلية حذَّرت من انحدار الأمور الى فوضى واضطرابات. وفق تقرير مجموعة الازمات الدولية الأخير فإنه في حال تحوّلت الاحتجاجات الاجتماعية إلى اضطرابات جياع، فستعجز قوات الأمن التي تتلقى رواتبها بعملة تتضاءل قيمتها على نحو متزايد، عن السيطرة على الوضع، ومن المستبعد أن تتمكن من ذلك. قد يكون التدهور المتسارع للخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والكهرباء، على بُعد أسابيع فقط. وفي هذا الاطار، يحذر مدير مشروع لبنان وسوريا والعراق في مجموعة الأزمات الدولية من معارضة الولايات المتحدة مساعدة لبنان، بحجة ان حزب الله المصنف إرهابيا هو أحد مكوّنات الحكومة فسيكون ذلك خطأ كبيرا. فمن شأن فشل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي وهو ما قد يثني أيضاً الكثير من المتبرعين الدوليين عن تقديم المساعدة بأنفسهم أن يكون كارثياً. ووفق مجموعة الازمات الدولية، يحتاج لبنان دعما خارجيا فوريا لمنع مؤسساته من التداعي ولتجنيبه أزمة إنسانية طاحنة. امام هذا الواقع المزري اللبنانيون في الشوارع والساحات، يواصلون انتفاضتهم ليل نهار، ولا خيارات ولا بدائل، الا بسقوط الاسباب، والحكومة اللبنانية امام جملة تحديات، والدولة بخطر، والايام الصعبة تواجه اللبنانيين، الذين يترحمون على الماضي، رافضين استنساخ ايام المجاعة، في عهد العثمانيين. وقد وحدتهم لقمة العيش، والحياة الواحدة والمصير الوطني الواحد، بعيدا عن الحسابات الفئوية والامراض الطائفية والمذهبية، التي لايفيد منها الا أعداء لبنان واللبنانيين