لا تصرُخـوا ألَـماً ولا تتكلَّـموا لنْ يفهموا ، إلاَّ إذا سُكِبَ الـدمُ
حكَموا... وحُكْمُ الفاسدينَ فضائحٌ والعينُ ما خَجِلَتْ ولمْ يشبعْ فَـمُ
إنْ لـم تدكّـوا بالحرابِ عروشَهُـمْ صلُّـوا عليها دولـةً وتـرحَّموا
ترحّموا عليها دولـةً، وصلَّـوا عليه حُكْماً، وانثُـروا الزهر على جُـثَّـةٍ متحـرّكة إسمها الحكومة، تموت ماشيةً ولا تُـدفَن...
الدولة تحتضر، وأربابُها ينْظِمون موشحّات النـدْب، يتنازعون حول مراسم الدفن، بين أن تكون في الكنيسة أو في المسجد.
القياداتُ عصابات يرتكبون الحرام ويدّعون على مجهول، وبـدل أنْ يكونوا فارّين من وجـه العدالة، تفـرُّ العدالة من وجوههم.
ومجلس الأمّـة صفوفٌ من النمل تحمل حبوبَ القمح إلى زعماء أوكارها.
أيّ وصـفٍ يبقى، إلاَّ أنْ يصبح الجوعُ كالغول يلتهمُ الأرواح، وتكاد معَـهُ الأمهاتُ تعضُّ على الأجنّـة في أرحامها..
الحـلّ... لا حـلَّ مع هذه الطبقة السياسية المدجَّجة بالفساد، الحـلُّ بثورة شعبية جامعة، وإلّا... فالتقسيم أو الإنتحار.
نعم... ثـورة ولكن أيّ ثـورة.
هل هي ثـورة: «الشيعة شيعة، والسنّـة سنّـة، والمسيحية المسيحية، والدروز الدروز...» أيْ إنها ثـورةُ الأنبياء على الأنبياء، ولكل مجموعة ثـورةٌ ومطلبٌ وساحةٌ ومذهب..؟
أو هي، تلك الإشراقة الثوريـة التي تجسّدت في السابع عشر من تشرين، سلسلةً بشريـةً وطنية من عكار إلى صور... الأجسام متكاتفة، والأيدي متماسكة، والصرخة متّحـدةٌ فوق ما قسَّـم الحكمُ من أرضٍ وما شتَّـت من شعب...؟
ولكن... الثورة بلا قيادة، تـتحول إلى فوضى..
والثورة بلا قيادة حكيمة، تقمع نفسها...
والثورة بلا برنامج موحّـد وهدف مجـرّد ينطلق من وجـع الشعب وآلام المفجوعين، تصبح تظاهرة ضجّاجة جوفاء، ومسرحاً للغوغائية المدسوسة.
الثورة الفرنسية، مهَّـد لها ووَاكبها ما يُعـرف بعصر التنوير، عصر الفلاسفة: منتسكيو، روسو، ديدرو، فولتير.. وكان السياسي والصحافي والدبلوماسي «ميرابو» خطيب الثورة واحد إعلامها البارزين.
في لبنان، لا نحتاج إلى فلاسفة حيال فلسفة الموت، بل إلى مناضلين أحرار... وإنَّ بين الذين حملوا لواء الثورة في لبنان مجموعة طليعية متحررة متعددة الخبرات والقدرات، وهي مؤهلة للقيام بدور قيادي ووضع برنامج للثورة وهيكلية تنظيميـة لها، هذه المجموعة تحمل مسؤولية استمرار الثورة، وإلاّ فيُخشى أَنْ يكون الخيار الثاني هو التقسيم.
نعم، التقسيم وأرجو ألاَّ تُدهِشَكُـمْ الكلمة.
قبل الثورة الفرنسية كان واقع فرنسا شبيهاً بما هي عليه حال لينان اليوم: مجموعة أقاليم: كلُّ واحدٍ يحكمه «دوق» أو «كونت» وكلٌ منهم يـدّعي حـقَّ حكم الإقليم وحـقَّ أبنائـه عليه بالوراثة.
والأشراف يتحصَّنون بقلاعهم وقواتهم المسلحة، يبيعون جنـى أملاكهم ويتقاضون عليها الرسوم.
لو لـمْ تحصل الثورة في فرنسا ، لاستمرّ حكم الكونتونات... وإن لم تستمرّ الثورة عندنا، فلا خلاص من حكم الكونتونات، أو من حكمة الإديب الفرنسي: «ألبيـر كامـو»: الذي «لـمْ يجـد إلاّ سبيلين للخلاص: الثورة، أو الإنتحار..».