كانت المشهدية في شوارع لبنان كما مشهدية "١٧ تشرين"، فإمتلأت الشوارع بالمنتفضين لكن لأسباب أخرى ولغاياتٍ تجلّت بمكائد سياسيّة وضبط إيقاع النقمة على حزب الله في نفوس اللبنانيّين ...
بدأت النّاس تتناقل أخبار صعود الدولار بشكلٍ مهيب قبل تاريخ ١١/حزيران/٢٠٢٠ أي تاريخ نزول الشعب مجدّداً إلى الشوارع لسبب مساواة الدولار الواحد للسّبعة آلاف ليرة لكن الحقيقة ليست كذلك، فالدولار لم يتخطّ الأربعة آلاف ومائتي ليرة لبنانية لكن هناك غاية بإشاعة تحليقه بين طبقات البورصة في لبنان.
أوعز حزب الله إلى مناصريه بالنزول إلى شوارع بيروت والتجول بها على الدراجات النارية مردّدين شعارات تذمّ الطائفية وتدعو إلى الوحدة الوطنيّة وهذا بعد أيام قليلة على شدّهم عصب الأديان والمذاهب بوجه بعضها البعض، لكنّ الأحداث التي تتالت كشفت المستور !!!
عمدت مصادر الحزب البشرية في كافة المناطق وحتّى في البقاع إلى دعوة الثوار عبر أياديهم المقنعة والمتخفية برداء التمرد للذهاب إلى المناطق المسيحية والسنّية والتضامن مع معها وأشاعوا خبر إقالة "رياض سلامة" بين العامّة مع العلم أنّ المادة ١٩ من قانون النقد والتسليف تنص على:
"في ما عدا حالة الإستقالة الإختيارية، لا يمكن إقالة الحاكم من وظيفته إلّا لعجز صحّي مثبت بحسب الأصول، أو لإخلال بواجبات وظيفته، أو لمخالفة أحكام الباب ٢٠ من قانون العقوبات أي ارتكاب جنحة أو جناية تعاقب عليها الشريعة اللبنانية، أو لخطأ فادح في تسيير الأعمال، كما لا يمكن إقالة نائبي الحاكم من وظيفتهم، إلّا لذات الأسباب المعدّدة، وذلك بناء على إقتراح الحاكم، أو بعد إستطلاع رأيه"؛
أراد حزب الله من خلال هذه الأعمال ذات الطابع الأمني المنبثق عن الغرف السوداء أن يُغطّي تحريضه وصدور أوامره بأقالة رئيس حكومته "حسان دياب" والّتي جاءت بإمرته بغية تعويم من يريد وجلبه لسدّة الرّئاسة فالشعب ضاق ذرعاً بالضغوط الإقتصادية وآن الأوان للإنقضاض على الثورة وتحوير بوصلتها من العهد والمجلس النيابي المهيمن عليه والآتي بأصوات مزوّرة بعد فشله بدسّ شعارات تخدم مصالحه وبُعيد فشل الفتنة المذهبيّة التي كادت أن تحصل منذ أيام، فلجأ إلى مبدأ نيكولا ميكيافيللي المبني على إحباط الناس الحامل لمضمون:
"إذا أردت أن تقضي على المتمرّدين، إخلق أنقلاباً ثم قم بالقضاء عليه" !!!
من المؤكّد أنّ حزب الله يلمس تململ اللّبنانيّين وحاضنته الشعبية بالأخص، ومن اليقين أنّه يدرك تبعات "قانون قيصر" عليه وعلى لبنان ولم يرَ حلّاً للأخطار المحدقة بالبلد سوى إيصال من يعتبره متوافقاً عليه عربيّاً ودوليّاً كما كان سائداً بالماضي، فرقص على جراح اللّبنانيّين وعمل إلى إستخدامهم كوقود للضّغط على المجتمع الدّولي غير آبهٍ للحصار القادم على مساحة ١٠٤٥٢ كلم² بسيفٍ لن يرحم لا صغيراً ولا كبيراً، لكنّه هذه المرّة أخطأ والجرّة لن تسلم، فلا برئيس يعتبره أهلاً لثقة سائر الدّول ولا بتسيير لبنان تحت لواء حكومة تصريف أعمال إلى حين إتمام المفاوضات بين طهران وواشنطن كما ينظر يُسطع نور الرحمة على الشعب، فبثّ الذّعر بين النّاس وإثارة مخاوفهم من أجل السيطرة على تحرّكاتهم بغرض جلب من يريده الحزب إلى رئاسة الحكومة بعد إقالة "حسان دياب" كضامن وضابطٍ أساسي الشّارع ليس دواءً ناجعاً، فحزب يرى في ثقافة الموت حياةً وفي الذّل عزّةً وكرامة وعهدٌ عظّم أوجاع المواطنين ومجلس نيابي قام على إنتخابات مزوّرة إن تمخّضوا لن يلدوا سوى فساداً وباعاً طويلاً في الإضطهاد والقمع !!!
سيسقط "حسان دياب" لكن لن يأتي من يريده حزب الله، والبوصلة الوحيدة لخلاص لبنان هي بمقايضة دمج الدويلة بالدولة وسلاحها بيد الجيش اللبناني مقابل إعفاء البلد من ديونه يتبعها تدوير الزوايا مع الدول العربية والعالمية كما أي دولة لها كيانها الدبلوماسي وتعديل قانون الإنتخابات ضمن لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي يليها إنتخابات نيابية وتطبيق فعلي لدستور الطائف بكل بنوده ينبثق عنه إنتخاب رئيس حقيقي للجمهورية يعمل على الإنتقال من بعدها إلى قانون علماني مدني يبعد عن الميثاقيات الرجعية ويعتمد مبدأ الكفاءة والأهليّة وغير ذلك هو ضربٌ في ماء ...
إنّ كل ما يجري في البلد يدير كفّته حزب الله الّذي لم يعِ حتّى الآن خطورة الأزمة والأهوال التي ستشابه مجاعة الحرب العالمية الأولى في قسوتها وجهنّم في قيظها، وإمّا أنّه يعي لكن أخذته العزّة بمجون السياسة !!!