كادت أن تكون فتنة وكادت أن تأتي بوسطة عين الرمانة مرة أخرى ولكن بركاب آخرين وبأسباب أخرى وضمن معطيات مختلفة ولكن بنتائج مشابهة رغم عدم توفر شروط القتال الداخلي بالطريقة التي فُتحت فيها الحرب في لبنان ولكنها تحمل أشكالاً من القتال الطائفي ضمن المسموح وضمن الأجواء التي تتحضر كي لا يبقى التوازن في لبنان على ما هو عليه.
لا يكفي الشجب ما دام التحريض سيد الكلام في الإعلام وفي السياسة وما دام البعض يمارس سياسة الإكراه والضغط من موقع الضعف لا القوة شأنه شأن الأنظمة التي تخضع شعوبها بعصا الطاعة ولم تتعظ حتى الآن رغم ما مرت به من ويلات بأن سلطة السيف تنتهي بالسيف .
إقرأ ايضا : جمهور السلاح أقوى من جمهور الخبز
من نفخ في صور الفتنة يسعى جاهداً لا الى تأديب الناس بقدر ما يسعى الى إفهام المعنيين بصعوبة العبث بأمن السلطة واستغلال الوضع المعيشي لحشد اللبنانيين خلف الرغيف في الظاهر وضدّ السلاح في المضمون وهذا ما استدعى التعبئة العامة في صفوف جنود مجندة من الشبكات العاملة في خدمة مشروع السلاح والتي نجحت في حصر ومحاصرة الحراك الأخير ضمن خطط متعددة أسهمت جميعها في جعل الدعوة الى الإستمرار بالثورة مشروعاً معطلاً الى حين .
لم تكن ردود الفعل على الأفعال المشينة إلا حركة خجولة تعكس صورة الوهن في وجوه قوى تنتحب على خسارتها من خلال اعتصامها في بيوتها أو من خلال تصريحاتها المملة والتي لا تلبي الحاجة المطلوبة لسد خلل داخل البنية اللبنانية لذا جاءت خطوة الرئيس سعد الحريري الى الوراء وليست الى الأمام تماماً كما هي خطواته المعتادة بحيث يتقن فن السير الى الخلف كونه لم يتعلم طريقة المشي الى الأمام .
راوح مكانه في لحظة مناسبة لكسب ما يصلح فساد سياسته وهذا ما دفع بقية المراهنين عليه الى خلعه أيضاً بحيث غدت مساحة المستقبل مجرد طموح لسلم رئاسي بلا درجات الأمر الذي حال بين المستقبل وبين الوصول الى الرئاسة مجدداً لسنوات طالما أن الإختبار كشف فشل المستقبل في السياسة من قبل أن يفشل في العملية السياسية ويصبح خارج المشهد اللبناني وقد وضع تجربته الفاشلة بين خصمين لدودين هما حزب السلطة وثورة الشعب غلى الفساد ولا مجال معهما للتعاون مع التيار الأزرق ولأكثر من سبب .
كلما أتت أزمة يظن المراهنون على الحريري بقدرته على التقاط الظرف السانح كيّ يعوّم نفسه ويعود الى المشهد السياسي كممثل رئيس فيتفاجؤون بقدرته على النق أو على النقنقة التي ترافق كل تصريحاته المرتجلة وهذا ما يخيب آمالهم و هذا ما يجعل من أي رئيس غير الحريري أكثر كفاءة مهما بدا مصبوغاً أو مأسوراً أو مستسلماً بإرادته لطبيعة السلطة التي تجعل منه عبداً لسيده .