رحل محسن ابراهيم اخر عمالقة اليسار الثلاثي" كمال جنبلاط وجورج حاوي" واخر عمالقة التحرر العربي "ياسر عرفات وجمال عبد الناصر، انضم الى قافلة العروبيين جورج حبش وعبد الفتاح اسماعيل واحمد بن بيلا واخرين .
لم يكن رحيله مفاجئاً لأنه عانى من المرض طوال سنتين، وقد لحظ ذلك كل اللبنانيين، عندما تغيب في 16 اذار 2019 عن زيارة ضريح صديقه كمال جنبلاط الذي لم يتخلف يوما عن تلك الزيارة لوضع الوردة الحمراء حيث علم الجميع بان محسن ابراهيم مريض، وتكرر ذلك في العام 2020 بسبب سطوة "الكورونا" التي فرضت تأجيلا عاما للضريح ، فغاب محسن عن الزيارة بسبب المرض .
رحل ابا خالد بصمت وهدوء بعد ان كان يملئ الساحات والشاشات والمدن والعواصم صخبا بمواقف تلك المرحلة واعلان اراءه الثورية والقومية ودعمه لفلسطين دون خجل او ملل او كلل كان على موعدا مع الرحيل الذي حدده بيوم 5 حزيران بعد مضي 38 سنة على احتلال العدو للبنان والدخول إلى بيروت .
صمد محسن ابراهيم في بيروت الى جانب القوات المشتركة طوال الحصار الى جانب القيادات الفلسطينية واللبنانية متنقلا من بيت الى بيت ومن موقع الى موقع في صمود أسطوري سجل للحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية حيث ادى ذلك الى خروج مشرف لم يرفع فيه المقاتلين الرايات البيضاء بل كان انسحابا مشرفاً خطه عرفات بشرف يسجل للتاريخ بانه اتفق مع القيادات اللبنانية على جدول الخروج واعطاء نهاية القرار للمفتي الشهيد حسن خالد.
فكان ابو خالد شاهدا على ذلك التاريخ مودعا الفلسطيني من بيروت الى اصقاع البلاد العربية لم تمضي ايام معدودة للإطلالة الشهيرة لأبو خالد مع صديقه جورج حاوي من بيت كمال جنبلاط وإطلاق البيان الاول لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جمول في 16 ايلول 1982.
نعم لقد كان صديقا لجميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، كما كان محل ثقتها. لذا لم يكن مستغربا ان يستشار في العديد من المواقف وبغض النظر عن الإصابة او الخطأ في المشورة. ويقول ابو خالد ابان الوصاية السورية عندما سألوه عن عبد الحليم خدام في تلك الفترة الزمنية حيث كانت التهمة العرفاتية جريمة واصعب من التعامل مع العدو فرد ابو خالد ما "بينساءل ابو خالد هذا السؤال ابو خالد مع فلسطين ومن مع فلسطين يكون ابو خالد معه .
نعم لقد كان محسن ابراهيم عرفاتيا بامتياز، اذا كانت العرفاتية تعني الانحياز للشعب الفلسطيني بمواجهة الأعداء والخصوم والأشقاء.
نعم كان عرفاتياً لأن ابا عمار كان رئيسا وقائدا للشعب الفلسطيني. نعم كان فلسطيني الهوى لأنه في القضية الفلسطينية تحتشد الأممية والعروبة والوطنية في أنقى صورها. نعم كان فلسطينيا كلما تآمر البعيد او القريب، العدو او الصديق، الحليف او الخصم، على القضية الفلسطينية.
نعم لقد كان عرفاتيا اذا كانت العرفاتية تعني الدفاع عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل، لأننا قاتلنا وما زلنا نواجه كلبنانيين من أجل استقلال قرارنا.
نعم لقد انحاز محسن ابراهيم ومعه منظمة العمل الشيوعي لصالح استقلال القرار الفلسطيني وقاتلنا معا مع أحزاب وقوى عديدة دفاعا عن الشعب الفلسطيني وعن حقه بالنضال لاسترجاع أرضه وعن حقه بالعيش الكريم.
لم يبخل محسن ابراهيم يوما بأي جهد للمساعدة في ترتيب البيت الفلسطيني ومعالجة اي أشكال بين المخيمات ومحيطها.
إقرأ أيضا : قناة الحدث ، والتغطية الميدانية للحراك اللبناني....
قد يقال الكثير في السياسة عن محسن ابراهيم ومنظمة العمل الشيوعي والحركة الوطنية اللبنانية الذي كان امينها العام منذ اطلاقاتها في العام 1975، وكل تلك المرحلة التي شهدت صعود اليسار اللبناني وتحالفه مع المقاومة الفلسطينية ، ثم هزيمة مشروعه التغييري مع اجتياح النظام السوري للبنان عام 1976 وضرب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية واغتيال كمال جنبلاط صاحب المشروع المرحلي للحركة الوطنية .
ويقال عن الاجتياح الاسرائيلي للبنان وخروج المقاومة من بيروت عام 1982 واطلاق جبهة المقاومة مع الشهيد جورج حاوي . لكن محسن ابراهيم عرف بخطورة الوجود الامني السوري وظهور المشاريع المذهبية التي قضت على تلك المرحلة التغييرية وايجاد زعامات طائفية بمعظمها في السلطة حتى اليوم، حينها قرر الانكفاء بصمت عن المشهد السياسي العام ولم يقبل بإعطاء اي تصريح او كلمة للإعلام رافضا كل المشهد الحالي.
إن يتم نقد مسيرة محسن ابراهيم فهذا امر بديهي لم يتردد هو او منظمة العمل الشيوعي في فعل ذلك.
إن أهم ما فعله ابو خالد في مسيرته النضالية هو خطابه في ذكرى مرور اربعين يوما على اغتيال القائد الشهيد جورج حاوي .حين قال بعد سنوات من النقد الذاتي لتجربة المنظمة والحركة الوطنية الذي كان امينها العام ، بان الحركة الوطنية ارتكبت خطائين، اولهما انها استسهلت الحرب الاهلية معبرا لتغيير بنية النظام الطائفي اللبناني .
وثانيها انها اباحت لبنان للمقاومة الفلسطينية مما حملها فوق طاقته وادى الى انشطاره شطرين في ظل تخلي الدول العربية قاطبة عن الالتزام بنصرة الشعب الفلسطيني ودعم ثورته .
فهذه الجراءة التي استطاع محسن ابراهيم ان ينتقد التجربة المريرة التي لا يتمتع بها أي رجل عادي او يقدرها أي ان انسان بالوقت الذي هرب منها الكثير .
رحل ابو خالد واخذ معه كنزاً من المعلومات والاسرار ، تاركا لمن يعرف عنه او تعرف عليه ان ينقل الطرائف والتعليقات الثاقبة والطرائف والالمعية التي ميزته في الاجتماعات العامة والمجالس الخاصة .فمثلا عندما سال في احدى الجلسات اين اصبحت الحركة الوطنية بعد اغتيال كمال جنبلاط فأجاب بان الحركة الوطنية كالسيارة التي وقعت بحادث وتدهورت في الوادي ولا يزال يسمع منها سوى صوت المسجل .
تاريخ صاخب لمحسن ابراهيم بالنضال الوطني والقومي من تأسيس حركة القومين العرب الى نهايتها والتي امتلأت تلك المسيرة بالنجاحات الطويلة في تاريخنا العربي والوطني وسادها العديد من الإخفاقات التي كان محسن ابراهيم يعلنها وينتقدها لأنه لم يخف من تلك التجربة ، لكن ان يتطاول صبية المخابرات وأصحاب الفكر القومجي على سمعته من بوابة إظهار حرصهم على القضية القومية، ثأرا لمواقف رفض التبعية لمشغليهم فهذا هو العهر بعينه.
لن يستطيع هؤلاء تشويه ذلك التاريخ النضالي الناصع بكل محطاته لمصلحة المخبرين والمرتهنين لعصابات المخابرات السورية او الاقليمية لكي يحصلوا على دعم مالي او معنوي من قبل انظمة تقتل وتجرم بشعبها.
لقد امتلأت حسينية أنصار الجنوبية مسقط راسه التي احتضنته في تشييعه كما شوارعها زينت بالإعلام الفلسطينية واللبنانية، كما توافدت شخصيات ووفود لبنانية وفلسطينية لتودع قامة كان لها بصماتها في تاريخ النضال اللبناني وفي التحالف مع فلسطين وشعبها.
لقد احاطت القيادات الفلسطينية بنعشك وحملته بكل حب كما حملت انت ومنظمتك قضية فلسطين بالقلب وحميناها بالدم والدموع. صورة الوفاء، يوم وداعك تحيط بنعشك كل المحطات النضالية التاريخية ، والفلسطينية منها تختصر المشهد.