منذ اعلن رئيس الحكومة حسان دياب بكل فخر واعتزاز إنجازات حكومته في المئة يوم الاولى على نيلها ثقة المجلس النيابي، بدأت مظاهر تململ وانزعاج تتبلور في اوساط الفريق الداعم لها، تعززت مع بدء المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي، وتكشفت اكثر بعد الاداء الملتبس في التعاطي مع ملف بناء معمل سلعاتا.
إقرأ أيضا : رسالة تحذير أميركية للحكومة الكهرباء والجمارك
في المقابل، لا يجد اداء دياب في الوسط السني للطائفة التي يمثلها على رأس السلطة الإجرائية دعماً او تفهما او تضامناً، سيما وان هذا الوسط تعامل مع القرارات الحكومية الاخيرة بكثير من الامتعاض، بسبب التساهل في التطاول على صلاحيات رئاسة الحكومة، كما يصفه المعترضون، وتسجيل سوابق تطيح الدستور، وتعبد الطريق امام الولوج الى تعديله، لا سيما في ما يمس الصلاحيات التي منحها للموقع السني.
يخشى الفريق المسيطر على الحكم في لبنان من تراكم تطبيقات قانون قيصر الذي سيدخل حيز التنفيذ في 17 حزيران الحالي والعقوبات الأميركية على حزب الله في تفاقم الضائقة الاقتصادية ومنع تطبيق خيار السوق المشرقية كبديل عن انتظار التفاوض مع صندوق النقد الدولي الخاضع عملياً للنفوذ الأميركي. ويزداد حذر المترددين اللبنانيين في الرقص على الحبال بين المحور الإيراني وباريس وواشنطن لأن الفريق الأميركي المولج بالشأن اللبناني ، يصنف في خانة التشدد على عكس الفريق السابق مع السفراء ديفيد ساترفيلد وديفيد هيل الذي كان يحاول مراعاة الحكم اللبناني وعدم إحراجه. وفي هذا الإطار تلوح واشنطن بعقوبات إضافية يمكن أن تطال بعض الرموز والشخصيات اللبنانية المتحالفة مع حزب الله أو المتعاملة اقتصادياً مع النظام السوري يمثل ذلك قطعاً للطريق على أي تطلع للمشاركة في إعادة الاعمار في سوريا قبل التوصل إلى حل سياسي.
ويمثل اقتراح تعديل صلاحيات اليونيفيل عامل ضغط إضافيا لأنه حسب قراءة واشنطن جرى تخصيص 12 مليار دولار لقوات لم تطبق مهامها بسبب رفض حزب الله وبالرغم من تعويل الحكومة اللبنانية على الفيتو الروسي والتفهم الفرنسي لمنع مرور الاقتراح على مجلس الأمن الدولي. لكن مجرد إيقاف واشنطن لمساهمتها المالية في اليونيفيل يعني نكسة جديدة وتحذيراً للبنان. ومن الواضح أن لحزب الله كلمته في هذه الملفات وأن واشنطن تريد من السلطات اللبنانية فك ارتباطها معه وهذا غير وارد عمليا مما يعمق المأزق اللبناني.
هل هذا يقود الى الاستنتاج بأن عمر هذه الحكومة بات قصيراً وان حزب الله الراعي الأساسي لها بلغ من الاستياء مرحلة التضحية بها، بغض النظر عما سيرتبه ذلك من خسائر في موقع القوة والفائض الذي حققه بعدما بات متحكّما بكل مواقع السلطة؟
تؤكد مصادر سياسية مطلعة ان هذه الخلاصة ليست استنتاجات لواقع الامور، بقدر ما هي نتيجة حقيقية، كاشفة عن ان الحزب بدأ منذ فترة قصيرة اتصالات مع الرئيس سعد الحريري للعودة الى ترؤس الحكومة. وهذه الاتصالات، وان لم تصل الى نتيجة مقنعة للحريري بعد، الا انها لم تتوقف وهي في طور التفاوض.
وتضيف ان الحزب وصل الى هذه النتيجة مدفوعاً بعاملين يقينه ان هذه الحكومة عاجزة عن تأمين مقومات صمود الاقتصاد في وجه الانهيار الزاحف الى مختلف القطاعات وشرائح المجتمع، بما فيها شريحة جمهوره وقاعدته، وعدم رغبته بتحمل تبعات الانهيار والافلاس التي ستلقى على عاتقه وحده، بفعل خروج الحريري من السلطة ووجوده مع رئيسي التقدمي وليد جنبلاط والقوات سمير جعجع خارج جنة الحكم.
اما العامل الثاني فيتمثل برغبة الحزب بعودة الحريري ليشكل مظلة تقيه التداعيات المرتقبة لبدء تطبيق قانون قيصر الاميركي منتصف هذا الشهر، لا سيما وان العقوبات المرتقبة معطوفة على العقوبات المطبقة بفعل قانون حظر تمويل الحزب، ستضيق الخناق اكثر عليه وعلى مصادر تمويله ولا سيما البرية منها.
يكبر الإمتعاض الدولي من الحكومة، ومن آلية التعاطي. تارة يتم الحديث عن الإصلاحات، وتارة أخرى عن أن هناك مساعدات ستصل إلى لبنان، فيما الديبلوماسيون يعتبرون أن هذا الأسلوب فيه الكثير من الابتزاز فكرروا الرسالة الحاسمة، بأن المدخل لأي مساعدات هو صندوق النقد الدولي، وكلمة السرّ فيه للأميركيين. وبالتالي، لا داعي لإضاعة الوقت. تدفع هذه المؤشرات إلى اعتقاد داخلي بأن الحكومة غير قادرة على الصمود والاستمرار، وأن الغطاء الدولي قد رفع عنها. ولكن حتى الآن لم يتم تجهيز أي بديل لها. في الأيام الماضية، طرحت مسألة تعديل الحكومة، فسقطت، لتطرح مسألة استقالة الحكومة، من قبل بعض الوزراء الذين يعتبرون أنه لا بد من ترك المركب، كي لا يتحملوا مسؤولية الانفجار. فكان الجواب لهم بأنهم قد نزّهوا أنفسهم عن الآخرين، ولكن حان الوقت لمواجهة الحقيقة المرّة.
كل ذلك يحصل وسط مضي أميركي في التصعيد حتى النهاية على ما يبدو. يبقى لبنان ضحية بامتياز لمحيطه الجيوسياسي، و الأيام المقبلة بالغة السوء. وكثر سينفضون أيديهم من الحكومة، وإن لم يكن هناك من بديل جاهز عنها وإزاء هذه المعطيات هل سيشكل قانون قيصر مدخلاً لعودة الرئيس الحريري الى السلطة قابل الايام سيجيب عن ذلك .