عندما اختار ثُوّار انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩ تاريخ السادس من حزيران موعداً لتجدُّد نشاطات وفعاليات تلك الإنتفاضة، بعد انتهاء فترة الحجْر الصحي التي فرضتها جائحة الكورونا قبل حوالي ثلاثة أشهر، لم يدُر في خلدهم أنّ أعداء الانتفاضة ومُعارضيها، وخاصةً الثنائية الشيعية ورأس حربتها حزب الله، سيستفيدون من فترة الأسبوع التي سبقت التّمهيد للدّعوة لهذه الإنطلاقة في ٦/٦ حزيران، فقد عمدَ حزب الله وحلفاؤه إلى بثّ حملة دعائية مدروسة للنّيل من قُدسية الإنتفاضة وصِدقيّتها وعفويّتها، وصوابية شعاراتها ومطالبها ب"شيطنة" هذه الإندفاعة الجديدة وتصويرها كمُعادية لتيار المقاومة الإسلامية( والمدعوم للمفارقة من الحزب الشيوعي اللبناني)، وهذا يستتبع وصمها بالخيانة والعمالة والصّهينة، بإزاء " المقاومة" الوطنية والإسلامية و"العروبية"، والمُجاهدة بوجه الصهاينة ومن ورائهم من أمبرياليّين أميركيّين، وللأسف الشديد، فقد أفلحوا في ذلك، وحشدوا جمهورهم الجائع والفقير والمُعترّ أصلاً ( إلاّ أنّه عند مثل هذه المُلمّات يتناسى ويتعالى على كلّ ذلك)، وصحّ ما توقّعه كثيرون، فنزل أصحاب الهتاف المقيت: شيعة..شيعة..شيعة( هو مقيت لبراءة الشيعة من رافعيه)، وانقسم الجمهور شارعين مُتقابلين تفصل بينهما قوات الأمن، وكان للمندسّين بعد ذلك الكلمة الفصل في حرف أهداف الحشد المُنتفض ناحية العنف مع قوات الأمن والجيش، وانتهى الأمر إلى فضّ الاحتجاج على نجاحٍ محدود بالعودة إلى ساحة التّظاهر والاحتجاج، ونجاحٍ محدودٍ أيضاً لقوى الأمن، والتي لم تُخلف وعدها مع وزير الداخلية الذي لا يعرف سوى لغة القمع والردع.
اقرا ايضا : الصيغة اللبنانية ترحل اليوم مع رحيل محسن إبراهيم
إلاّ أنّ الشحن الطائفي والفئوي والمذهبي لم يمُرّ بسلام، فقد تسبّب بعض المُتعصّبين الجهَلَة بإطلاق نعرات طائفية ومذهبية خبيثة ومُستهجنة، تكاد أو كادت أن تتسبّب بفتنٍ فادحة وخطِرة، لا تعود سوى بالضّرر على لبنان ومُواطنيه، وما زالت أحداث الاضطرابات والاحتجاجات الواسعة في الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة وفاعلة، فقد كادت "رُكبة" الشرطي الأبيض التي خنقت المواطن " الأسود" أن تودي إلى حرق الولايات المتحدة الأمريكية بعزّها وجبروتها، فمن أجل جنحة قيمتها عشرين دولار " مُزوّرة"، جرى إهدار مئات المليارات من الدولارات، وعدداً من القتلى والجرحى والمعتقلين، فهل من أجل قمع وإلغاء اجتماع احتجاجي يُفترض أن يكون "سلميّاً" يعمد البعض إلى إشعال الفِتن الرهيبة، التي قد يعرف مُفتعلوها كيف ومتى تبدأ، ويجهلون بالطبع كيف ومتى تنتهي.
قال نصر بن سيّار ( آخر والٍ أموي على خراسان):
أرى خللَ الرماد وميض جمرٍ
تكادُ أن يكون لها ضرامُ
فإنّ النارَ بالعودين تُذكى
وإنّ الحربَ أوّلُها الكلامُ.