محسن إبراهيم في ذمّة التاريخ، مسيرة نضالية حافلة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، من أواسط خمسينيات القرن العشرين وحتى اليوم، سبعون عاماً من النضال والكفاح، آمن محسن إبراهيم بالقومية العربية، وكان الفكر القومي العربي قد بدأ صعوده وألقهُ مع الثورة الناصرية في مصر عام ١٩٥٢، ومع أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي بشعاره الشهير: وحدة، حُرّية، اشتراكية، وإسهامات القوميين العرب في الجامعة الأمريكية في بيروت مع جورج حبش وقسطنطين زريق ومِنح الصُّلح، وآخرون لا مجال لحصرهم وتعدادهم، خاض محسن إبراهيم نضالاته الأولى مع حركة القوميين العرب في لبنان، إلاّ أنّه سرعان ما رأى في الفكر الماركسي اللينيني مجالاً أرحب لنضالٍ أوسع وأجدى من " القمقم القومي"، فكان اعتناقه وإيمانه بهذا الفكر أوثق وأغنى من تجربته القومية، وكانت منظمة العمل الشيوعي وليدة هذا الفكر، التي أرسى بنيانها إبراهيم مع رفاقٍ أفذاذ قادوا نضالاتها، وأغنوا الفكر الماركسي "العربي" بتجارب رائدة، إلاّ أنّ القومية العربية ظلّت حيّةً فاعلة في فكر وسلوك المنظمة بإيمان إبراهيم بالقضية الفلسطينية إيماناً راسخاً، وهو الذي راهن على المقاومة الفلسطينية باعتبارها " رافعة النهوض العربي" بعد هزيمة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧،
اقرا ايضا : شُعلة دماء سمير قصير يحملها اليوم ثوار الإنتفاضة الشعبية
وبعد إخراج المقاومة الفلسطينية من الأردن عام ١٩٧٠ وتدفّق عناصرها إلى لبنان، واحتدام أزمة " السلاح الفلسطيني" الذي انتشر في طول البلاد وعرضها، واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وجدت الحركة الوطنية اللبنانية( ومنظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي اللبناني في صميمها) نفسها في خِضمّ هذه الحرب المُدمّرة، والتي انتهت بالإحتلال الإسرائيلي لأجزاء كبيرة من جنوب لبنان، ودخول لبنان في عهد الوصاية السورية بداية تسعينيات القرن الماضي، مع اتفاق الطائف الذي أنهى فصول تلك الحرب الأهلية السوداء، إلاّ أنّه مهّد لحقبة جديدة ضربت الصيغة اللبنانية في الصّميم، وطغت الطائفية والمذهبية على مُجمل الحياة السياسية اللبنانية، وسمحت لقوى طائفية ومذهبية تتبع الوليّ الفقيه في إيران، وتنعم بماله وسلاحه في السّيطرة على مفاصل الأوضاع السياسية الطائفية والإجتماعية والأمنية، بحيث بات الخيار الأخير أمام باقي الأطراف المعنية بالوضع اللبناني: إمّا الإنكفاء أو الذهاب إلى معارك جانبية لن تحصد سوى الخيبات وهدر الدماء، فآثر "الفارس الأخير" الإنكفاء منذ بداية عصر الوصاية السورية على لبنان مطلع تسعينيات القرن الماضي، فتفرّق شملُ قياداتٍ سياسية وفكرية وعسكرية كانت في صفوف المنظمة، ولم تُفلح، وللأسف الشديد، محاولات لمّ شعثها بعد أن تهاوت الصيغة اللبنانية برُمّتها، وما نشهده اليوم مع رحيل أحد القادة العظام في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، مع رحيل أبو خالد ربما رحيل الصيغة اللبنانية معه.