كتبت صحيفة النهار تقول:
بدت مسارعة رئاسة الجمهورية أمس الى اصدار رد دفاعي على متهميها بالهيمنة على مجلس الوزراء، أشبه باثبات جدي للاهتزازات العميقة التي اصابت الواقع الحكومي في الأسبوعين الأخيرين والتي تنذر بمزيد من اضعاف الحكومة، خصوصا ان استحقاقات طارئة جديدة تواجهها ولا ضمان اطلاقا لخروجها منها من دون تداعيات سلبية إضافية. فما بين الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء في قصر بعبدا الخميس الماضي والتي أرغم فيها تحت وطأة ضغط العهد على التراجع عن تصويت أكثريته على استبعاد معمل سلعاتا من خريطة إنتاج الكهرباء، والجلسة التي سيعقدها اليوم تراكمت بسرعة كبيرة عوامل الاهتزازات بين أهل السلطة الى درجة طرحت فيها بسحر ساحر فكرة تعديل وزاري كانت كما علمت "النهار"، على قدر كبير من الجدية ثم جمدت راهنا من دون ان تطوى تماما.
ولم تقتصر الاهتزازات على الضربة الموجعة التي تلقاها رئيس الوزراء حسان دياب ومجلس الوزراء كلاً بفرض معمل سلعاتا ضمن أولويات إقامة المعامل، بل تمددت الى ملف التعيينات الإدارية والمالية الذي رحل الى الأسبوع المقبل من دون ضمانات لإمكان التوصل الى مخرج توافقي عليه، خصوصا ان معطيات جديدة طرأت في ملف التعيينات المالية تستدعي إعادة النظر في مواقف كانت متصلبة حيال بعض أسماء نواب حاكم مصرف لبنان.
أما الامر الطارئ الجديد الذي بات يثقل بدوره على الواقع الحكومي المضطرب فيتمثل في اضطرار الحكومة الى التحسب لبدء تنفيذ "قانون قيصر" الأميركي على سوريا والمتعاونين مع النظام السوري في دول المحيط وأولهم لبنان، بما ينذر به من تداعيات خطيرة إضافية لجهة احتمال فرض عقوبات أميركية على جهات رسمية وشركات وأشخاص في لبنان. واللافت ان اقتحام هذا الاستحقاق الجديد للواقع الحكومي المهتز طرح سابقاً رسمياً على مجلس الوزراء، بحيث بدأت حركة الضغوط على الحكومة ورئيسها وبعض أعضائها تتصاعد من جهة "حزب الله" لمنع الحكومة من التعامل مع القانون الأميركي كأنه بمثابة أمر واقع، مما اثار بلبلة واسعة ظلت مكتومة بين القوى المشاركة في الحكومة ولم يتم التوصل بعد الى توافق على هذا الموضوع. وتحدثت معلومات عشية جلسة مجلس الوزراء اليوم في بعبدا عن امكان طرح هذا الموضوع على النقاش باعتبار انه لم يعد ممكناً تجاهل حتمية البحث فيه بعدما وزعت الأسبوع الماضي نسخ عن "قانون قيصر" على الوزراء وطلب منهم الرئيس دياب درس النواحي التي تؤثر على وزاراتهم وعلى لبنان تمهيداً لمناقشة الامر. كما ترددت معلومات غير مؤكدة عن تأليف لجنة وزارية لهذه الغاية ربما عقدت اجتماعات بعيدة من الأضواء تمهيداً لتقديم خلاصة مناقشاتها الى رئيس الوزراء.
ويعقد صباح اليوم اجتماع مالي في قصر بعبدا يضم فريق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، في حضور رئيس الوزراء ووزير المال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ثم يعقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع ومن بعده تعقد جلسة مجلس الوزراء الذي سيقرر تمديد فترة التعبئة العامة.
بعبدا - بيت الوسط
وسط هذه الارباكات المتصاعدة بين أهل الحكم والحكومة، حاولت رئاسة الجمهورية إعادة رمي كرة التوترات السياسية في مرمى المعارضين للحكومة وتحديدا كتلة "المستقبل" التي يبدو انها في بيانها الأخير اصابت نقطة الحساسية الكبيرة التي اعتملت بين رئاستي الجمهورية والوزراء بسبب معمل سلعاتا. وقد رد المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية أمس على "جهات سياسية وإعلامية تلجأ الى الادعاء ان رئاسة الجمهورية تهيمن على صلاحيات مجلس الوزراء وتخالف الدستور وتحول نظام الحكم الى حكم رئاسي". وإذ نفى هذه الاتهامات، قال إن رئيس الجمهورية "مصمم على ممارسة الصلاحيات الكاملة الداخلة في دائرة اختصاصه الدستوري ويبدو ان هذا التصميم هو ما يزعج من يتلطى دائما خلف الطائف للانقضاض على صلاحيات رئيس الجمهورية". ووصف الكلام عن هيمنة بانه "افتراء هدفه تغطية ما كان يحصل سابقاً من بطء في معالجة المواضيع".
واستعرت الحرب الكلامية بين بعبدا و"بيت الوسط" حول موضوع الهيمنة على قرار مجلس الوزراء، اذ سارع مصدر مسؤول في كتلة "المستقبل" الى الرد على بيان بعبدا، فاستغرب "ان تنبري دوائر القصر للدفاع عن مجلس الوزراء فيما تلزم دوائر رئاسة الحكومة الصمت". وقال ان "مجرد قيام رئاسة الجمهورية بتبني موقف حزب التيار الوطني الحر الذي يقف على رأسه صهر الرئيس والالتفاف على قرار مجلس الوزراء في شأن محطات الكهرباء خلافا لرأي رئيس الحكومة وسائر الأحزاب الممثلة فيها هو عنوان كبير للهيمنة".
ولاحظت مصادر معنية ان العهد بدأ يرسل إشارات هدفها استدراك الآثار السلبية المبكرة لاضعاف رئيس الوزراء وكان منها البيان الذي أصدرته بعبدا أمس، مضيفة ان هذا المؤشر يتصل بفشل محاولة جرت لجس النبض حيال تعديل وزاري، ولكنها أخفقت بسرعة لانها لم تنل موافقة كل القوى المشاركة في الحكومة، كما أثيرت مخاوف من تأثيراتها السلبية الإضافية على كل ما تقوم به الحكومة راهناً خصوصاً من حيث التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومحاولتها تسويق الخطة التي وضعتها باعتبارها الخطة الانقاذية للبنان من انهياراته المالية والاقتصادية والاجتماعية.