مع وجود اكثر من سعر صرف للعملة المحلية في السوق الرسمية والموازية تتراوح بين 3000 الى اكثر من 4000 ليرة مقابل الدولار الاميركي، وجدت العقود المبرمة بين مختلف الاطراف وبالعملة الاجنبية، طريقها نحو الدعاوى القضائية والمحاكم للبت فيما إذا كان يحق للطرف الاول فرض الدفع بالدولار الاميركي حصراً على الطرف الثاني، أم انّ القانون يفرض الاستمرار في اعتماد سعر الصرف الرسمي لليرة عند 1507 مقابل الدولار.
وقد دفعت هذه المعضلة الاطراف التي تربطها مختلف انواع العقود، للجوء الى القضاء لفضّ هذا النزاع. إلاّ انّ وجود قانونين يمكن الاستناد اليهما في هذا الاطار، صعّب الامر على الاطراف المعنية، ما اضطرها الى التوصل لتسويات ودّية في ما بينها.
تكثر الأمثلة حول العقود الموقّعة بين طرفين بالدولار الاميركي، منها القروض المصرفية الموقّعة بين العملاء والمصارف، حيث يرفض بعضها اليوم تسديد الاقساط الشهرية للقروض، بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي عند 1515 ليرة، على غرار ما يسمح به البعض الآخر من المصارف.
كذلك الامر بالنسبة لعقود البيع الموقّعة بين مطورين عقاريين وافراد اتفقوا على شراء شقة سكنية والبدء في دفع جزء من قيمتها مباشرة للمطور العقاري الى حين الحصول على قرض سكني، بالاضافة الى كافة عقود الايجار السكنية او التجارية، وعقود التأمين التي لا تجد اليوم ما يُلزم اطرافها التسديد بالدولار أو بالليرة على سعر الصرف الرسمي.
في هذا الاطار، شرح رئيس الجمعيّة اللبنانيّة لحقوق المكلّفين المحامي كريم ضاهر لـ»الجمهورية»، انّ الاقتصاد اللبناني «المدولر» منذ سنوات عدّة، أتاح ابرام معظم العقود الفردية او المؤسساتية بالدولار الاميركي، خوفاً من تدني قيمة العملة اللبنانية. لافتاً الى انّ تأثر التوازن الاقتصادي للعقود، أي تضرّر أحد الأطراف لمصلحة الطرف الثاني نتيجة تدهور قيمة العملة، يفتح مجالاً للاعتراض امام المحاكم. واكّد وجود شقّين من المواد القانونية التي يمكن للمتعاقدين اللجوء اليها:
- المادة 301 من قانون الموجبات والعقود، حيث هناك اجتهاد في المحاكم اللبنانية في هذا الاطار، سمح بفرض الدفع حصراً بالعملة التي ينصّ عليها العقد الموقّع بين الطرفين، اي بالدولار الاميركي، وذلك في حال تمّ الاتفاق في العقد وبصورة صريحة على التسديد بعملة معينة.
- المادة 192 والمادة 7 من قانون النقد والتسليف والمادة 5 من قانون حماية المستهلك، التي تجيز التحرّر من الدين من خلال تسديد قيمته بالليرة اللبنانية، حتى في حال كان العقد مبرماً بالدولار الاميركي، ولا يمكن لأي طرف رفض التسديد بالعملة المحلية تحت طائلة ملاحقته جزائياً.
وأشار ضاهر، الى انّه لم يُصر بعد الى فصل هذا التناقض بصورة نهائية، وبالتالي يلجأ المتعاقدون الى التفاوض بين بعضهم بهدف التوصل الى قواسم مشتركة واتفاق ضمني يجنّبهم اللجوء الى المحاكم، «إلّا انه في وقت من الاوقات، سيضطر الافراد الى اللجوء للمحاكم، لأنّ احد الاطراف لن يتمكن من التسديد بالدولار، او انّ الطرف الثاني لن يقبل الاستمرار بقبض مستحقاته بالليرة اللبنانية».
مرقص
من جهته اعتبر رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، انّه يجب التمييز بين حالات مختلفة في ما يتعلّق بالقروض المصرفية:
الحالة الاولى، اذا كان القرض مسنداً بالعملة المحلية، لا يمكن للمصرف مطالبة العميل تسديد القرض بالعملة الاجنبية، ولو حتى اعتبر انّ قيمة العملة تراجعت، حيث انّ العقد هو شريعة المتعاقدين، وهناك اجتهادات ثابتة في هذا الاطار من قِبل المحاكم. وتجدر الاشارة الى انّ القاعدة تنصّ على انّ الديون توفى بأمثالها، بمعنى انّ الدائن الذي أدان آخر مبلغاً من النقود، عليه ان يستوفي مثل ما دفعه الى مدينه من عملة البلاد، سواء ارتفعت قيمة العملة الشرائية أو تراجعت. ولا يمكن الزام المقترض التسديد بغير عملة.
الحالة الثانية: لا يحق للدائن المطالبة بإيفاء الدين بعملة اجنبية في حال لم يتمّ الاتفاق مسبقاً ضمن العقد المُبرم بين الطرفين على نوع العملة التي يجب التسديد وفقها. وفي هذا الاطار، ينصّ تعميم مصرف لبنان، القرار الاساسي رقم 10439 تاريخ 17-5-2010 في المادة 10 منه، على إلزام المصرف تضمين العقد عملة التسليف، وبالتالي تتبدّد بالنسبة للمصارف، امكانية وجود الحالة الثانية المشار اليها.
الحالة الثالثة: استناداً الى المادة 301 من قانون الموجبات والعقود التي تنصّ على حرّية التعاقد بالعملة الاجنبية، يُسمح للمصرف بالتعاقد مع المقترض بالدولار الاميركي. واستناداً الى قاعدة «يجب ايفاء الشيء المستحق ذاته» المكرَّسة في المادة 299 من قانون الموجبات والعقود، لا يمكن بموجبها إلزام المصرف او اي دائن على قبول غير العملة المشار اليها في العقد (اي الدولار الاميركي)، وان كانت العملة البديلة ذات قيمة أعلى من قيمة العملة المحدّدة في العقد.
وفي هذا السياق، ذكّر مرقص بالتعميم الصادر عن جمعية المصارف الرقم 391 تاريخ 30 ايلول 2019 والذي تمنّى على المصارف، بإيعاز من حاكم مصرف لبنان، التعاون مع صغار المقترضين (قروض التجزئة) بالعملات الاجنبية، لتسوية قروضهم بالليرة اللبنانية، في حال كانت مداخيلهم بالليرة.
وبالنسبة لعملاء المصارف، قال مرقص، انّه بالإضافة الى القواعد القانونية المشار اليها اعلاه، يجب عليهم التنبّه الى انّهم وقّعوا عقود إذعان مع المصارف تتضمّن بنوداً لصالح الاخيرة، وقد أمَّنت المصارف حماية لها، استناداً الى تجاربها خلال الحرب اللبنانية، حين تدهور سعر صرف الليرة ايضاً، تحسّباً لتكرار التجربة.
في الختام، رأى مرقص، انّه لا مانع امام أي دائن من التحجج والتفاوض للتوصّل الى نوع من التسوية مع الدائنين استناداً الى المادة 7 من قانون النقد والتسليف، التي تعتبر انّ الاوراق النقدية بالليرة اللبنانية لها قوة ابرائية غير محدودة، اي انّها تبرئ ذمة المدين الذي يسدّد بالليرة اللبنانية. بالاضافة الى المادة 192 من القانون نفسه، والتي تنصّ على عقوبات على من يمتنع عن قبول العملة المحلية، «إلّا انّ هذين النصّين يبقيان غير حاسمين للجزم انّ هناك امكانية لتسديد قرض بالدولار، بالعملة المحلية، إلّا انهما بمثابة مرتكز للتفاوض».