مما لاشك فيه بان الصراع الصيني الامريكي بات يحتل واجهة الشاشات الفضائية و الصحف الاولى وعناوينها ،فالاحتدام الواضح قد يبدو للكثيرين بان الصراع سببه جائحة الكورونا التي تسيطر على العالم وترخي بظلالها على الجميع مما ساهم برفع صوت الولايات المتحدة عاليا متهمة الصين بتسببها ،فالمشكلة هي اعمق من كورونا التي باتت الوجه المباشر للصراع لكن تصاعد الخلاف لم يعد يتوقف عند حدود الكورونا بل تخطاها لتصبح امريكا ترفع ملفات كثيرة بوجه الصين وفي اولوياتها ازمة الديمقراطية في هونغ كونغ ، والتي طرحت واشنطن مشكلتها في مجلس الامن ، وكذلك تسليح تايوان وفرض عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب انتهاك حقوق الانسان بالتعاطي مع اقلية الايغور .
اضافة الى اصرار الولايات المتحدة لمنع وصول نفط الشرق الاوسط الى بكين والتي تعتبر بان محاصرتها يعني التضييق الفعلي على نمو الصين الاقتصادي القادم .
اذا المشكلة الصينية الامريكية هي مشكلة تجارية مالية بكل معنى الكلمة حيث باتت واشنطن ترى بان صعود الصين القادم اقتصاديا سوف يشكل تهديدا لإمبراطوريتها الاقتصادية بظل العولمة وسيطرت الشركات القابضة التي تعود بفائدتها لمصلحة الاقتصاد الامريكي بعدما سيطرت الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990.
لقد مارست الولايات المتحدة منذ سنة 1972 سياسة الاحتواء للصين بوجه العدو الاساسي حين ذاك. وحتى انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 لم يؤدي الى فوائد كبيرة لصالح الانفتاح الدولي لان الصين لم تلتزم بالقواعد التجارية الدولية وكان هدف الصين واضحا من الانضمام للمنظمة الدولية هو تغييرها وليس ان تغير سياستها التجارية ، الامر الذي ادى بالأخيرة الى ممارسة سياسة التسلل البطيء مما ساهم بفقدان الوظائف الامريكية واغلاق المصانع الغربية والامريكية لصالح الصين حيث تم نقل العديد من الشركات انتاجها الى الصين للتمتع بميزة انخفاض كلفة العمالة حيث اجبرتهم الصين على نقل التكنولوجيا اليها وحقوق ملكيتها الفكرية وحتى الشركات التي لم تنتقل الى الصين وجدوا انفسهم بان الصينيين تسللوا لأسرارها التجارية هذا ما زاد من التوتر بين البلدين .
اقرا ايضا :التكنولوجيا وتأثيرها على الاسرة بظل الكورونا .
لكن طموح التنين الصيني اضحى خارج حدود الكوكب، مما بات يهدد القوة الاقتصادية الامريكية ،لان المشكلة التي باتت ظاهرة للجميع هي مشكلة ثقافية تكنولوجية بكل معنى الكلمة فالتوسع الصيني على حساب الاقتصاد الامريكي والذي بات يعتمد على قوة التصدير وليس على قوة الاختراع والابتكار نتيجة هجرة المصانع والتقنيات والماركات العالمية الى الصين والتي باتت تهدد الاقتصاد الامريكي مباشرة فأمريكا التي تعتبر نفسها دولة مصدرة للتكنولوجيا باتت دولة مستورة للتكنولوجيا الحديثة ،فالشركات الامريكية المعروفة التي تعتمد على اقتصاد المعرفة والرأسمال البشري مثل ابل ايفون ومايكروسوفت وامازون باتوا متواجدين في الصين مما أصبحت المخاوف الامريكية كبيرة من خلال سيطرة الصين على هذه الشركات .
ولعل اكثر ما ثار ترامب في جائحة "الكورونا "وعندما سئل الاطباء الأمريكيين بحال تم اكتشاف لقاح للكورونا اين سيصنع، فكان الرد عليه بانه سيكون في الصين او الهند لان اغلب شركات الدواء في الخارج وتحديدا 70 بالمئة منها في الصين ، فكان رده صاعقا فاذا به يطالب كل الشركات الامريكية بالعودة الى امريكا وسيعمل على دعمها ومساعدتها وفي حال تمنعت الرشركة سيكون مصيرها المصادرة وعدم السماح لها بالعمل في الولايات المتحدة .
لذلك شن ترامب حربا تجارية على الصين منذ توليه سدة الرئاسة في البيت الابيض واتهمها بانها سبب المشاكل التي يعاني منها الشعب الامريكي . الرئيس ترامب حمل في برنامجه الانتخابي شعاره الشهير" اني اكره الصين"، وبات ينفذ وعوده وفقا لم ترضي ناخبيه .
وقد يكون الحظر الذي فرض على شركة" هواوي" الصينية هو البداية ، نتيجة الخوف الامريكي من فقدان مكانتها الاقتصادية العالمية وبسبب رغبة الصين في مواجهة الصين للاحتكار التكنولوجي والتي تمتلك الكثير من الشركات الكبرى التي تشكل جزء اساسي من اقتصاد امريكا
الصين تقدم نفسها منافسا اقتصاديا للولايات المتحدة بحث يجعلها تقدم على خطوات المواجهة التي تفرض نفسها قوة اقتصادية لذلك تحاول بكين بكل الاشكال عدم الدخول في مواجهة مع واشنطن الان وكان الخبراء يعتقدون بان الصين في العام 2030 ستكون منافسا قويا ويمتلك القدرة على تغيير قواعد الاشتباك، امريكا اخذت على محمل الجد الاستراتيجية الصينية المتمثلة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتنفيذ ما يسمى المذهب التجاري التكنولوجي.
لكن الولايات المتحدة استبقت الامر وباتت تفرض على الصين في هذا الوقت المواجهة لأنها تملك الكثير من الاوراق التي تجبر الصين على الدخول في مواجهة محدودة تؤدي الى المفاوضات وتحديد الادوار القادمة لكل طرف من الاطراف .
واشنطن تعلم جيدا بان قدرات الصين العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية حاليا تمنعها من المواجهة وحتى لو دخلت بكين في مواجهة سوف تنتهي بتنزيلات لمصلحة الامريكي.
اذا المشكلة بين العملاقين الاقتصاديين هي انعدام الثقة الذي ظهر الان ، لان النمو الصيني وسعيها لقيادة الاقتصاد العالمي جعل الولايات المتحدة تشعر بان نفوذها مهدد من خلال الحرب التكنولوجية التي تمارسها الصين بظل الانفتاح التدريجي والمحدود لهذا الاقتصاد والذي يترك خسائره الواضحة على الاقتصاد الامريكي نتيجة التهيؤ للحرب والسيطرة على التكنولوجيا الفكرية .
الصين وضعها الحالي ليس ممتاز فهي تعاني من ضائقة اقتصادية وكورونا تركت اثارها الواضحة عليها، وبالتالي ترامب سيكمل حربه الاقتصادية بمساعدة الحلفاء الذين تربطهم علاقة ومصالح واسعة مع الولايات المتحدة لمحاصرة بكين واجبارها على الجلوس على التفاوض مع الولايات المتحدة والقبول بشروطها المطروحة والتي تحد من طموح الصين وقد تكون المواجهة العسكرية شرط اساسي لتنفيذ المخطط الامريكي بغض الظر من سيكون في الحكم الجمهوريين او الديمقراطيين لان مصلحة امريكا ووضعها الاقتصادي بات على المحك.