الدكتور انطوان مسرة وفي معرض تعليقه على كلام قبلان، يؤكدّ مسرة أنّ "مواقف المفتي تنمّ عن ضبابية فكرية شاملة، إذ تعبّر عن جهل كامل، للأسف، لمفهوم الميثاق في التاريخ المقارن والعلم الدستوري المقارن". ويشرح: "المواثيق في التاريخ اللبناني وفي تاريخ دول عدّة كسويسرا والنمسا، والبلدان المنخفضة، هي سياق سياسي ودستوري للبناء القومي للدول، على إثر حروب أهلية تقع فيها. وهي نقيض السياق العنفي والدموي للبناء القومي انطلاقاً من مركز قوي وامتداداً إلى الأطراف.
ولذا، فإنّ الطعن بميثاق 1943 واتفاق الطائف عام 1989، هو طعن بأهمّ قواعد البناء القومي اللبناني والسلم الأهلي".
وللدلالة أكثر على أهميّة كلٍّ من "الميثاق" و"الطائف"، يقول مسرّة إنّ "مضمون الميثاق هو العيش المشترك الإسلامي المسيحي، وتجنّب العزل الدائم للجماعات الدينية والثقافية، والعروبة المستقلة ضمن سيادة الدولة".
ويشير إلى أن "وثيقة الوفاق الوطني هي إنتاج لبناني أصيل كثمرة أوراق ومداولات ومناقشات بين سنوات 1975 و1989. ولذا، فإنّ نكرانها هو بمثابة نكران للتجربة اللبنانية، ولخبرة عباقرة الدستور اللبناني الذين ما تنكّروا للتجربة العربية الإسلامية في إدارة التعدّدية، بل بنوا عليها".
مسرّة يذكّر الشيخ قبلان "بكلام الإمام الصدر عن أنّ نجاح التجربة اللبنانية ثروة لوطننا وللعالم المتحضّر وللفلسطينيين، وأيضاً بأنّ الصيغة اللبنانية هي، تاريخياً، نقيض الصهيونية التي تعتبر أنّ لبنان خطأ تاريخي وجغرافي، وهو غير قابل للاستمرار".
أضف إلى ذلك، أنّ كلام المفتي قبلان عن الدستور يفترض، بحسب مسرّة، أنّ "السياسيين اللبنانيين لا يقومون بأيّ عمل إلا استناداً إلى الميثاق والصيغة والدستور. وهذا افتراض خاطئ، لأنّ الدستور لا يطبّق كما يجب، ولكي نعدّل فيه يفترض أن نكون قد طبّقناه وهو ما لم يحصل". ويكمل: "دستورنا غير طائفي في نصوصه، وينصّ على مبدأ الكفاءة في المادة 12 منه، كما أنّ الزبائنية موجودة في بلدان لا طائفية فيها.
كذلك هناك تضخّم تشريعي في لبنان مقابل معضلة حقيقية في تطبيق القوانين، إذ لا يوجد قانون واحد مطبّق بشكل كامل أو من دون تحريف، فكيف نشكّك بالقوانين اللبنانية ما دامت لا تطبّق؟".
ويختم مسرّة بالإشارة إلى مفارقة غريبة، إذ إنّه "في وقت تطالب الحكومة اللبنانية بدعم اقتصادي من صندوق النقد الدولي والدول المانحة لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية، يصدر كلام عن المفتي قبلان يعطي انطباعاً بأننا نعيش في دولة قيد التأسيس. وهو ما يضعف موقف الحكومة تجاه مفاوضيها، ويعزّز مخاوف اللبنانيين من دخول بلدهم في الفوضى" جاء ذلك في حديث للزميلة اساس ميديا.
اساس