إذا ما استثنينا المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أجراها الصحفي المثقف سامي كليب مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله منذ حوالي العامين والتي أثارت ضجة كبيرة وما يشبه الاشمئزاز عند جمهور الحزب، وتسببت ربما باستقالة كليب من الميادين في مرحلة لاحقة، لأنه تجرأ يومها على أسئلة أحرجت السيد، ولعب كليب بالمقابلة دور الصحفي الحقيقي بدون التملق والدهونة والمديح والتفخيم، وناقش السيد وحاوره ولم يلتزم بالأسئلة المعدة سلفا ولم يوافق على الإجابات كيفما كان ويعبر بكل تلاميحه عن إعجابه واندهاشه بالردود حتى قبل أن يطلعقها السيد على طريقة بن جدو أو مرمل وغيرهما.
لا بد من تسجيل إعجاب وتقدير بأداء الزميلة بثينة عليق ومهنيتها فضلا عن ثقافتها الواسعة وجرأتها، بالخصوص إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الزميلة عليق الاتية من البيئة الحزبية المشبعة بثقافة التبجيل والتقديس لشخص الأمين العام، إلا أنها نجحت إلى حد كبير، بلعب دور المحاور ونقل نبض الشارع وما ينتابه من تساؤلات وشكوك وإشكاليات تدور داخل صفوف هذه البيئة ولو همسا وبين الجدران،
هذه البيئة الحزبية المؤدلجة التي كانت إلى الأمس القريب تكتفي بإشباع فضولها وأسكات عواصف ارتباكها وصدماتها المتكررة بسبب التباين الكبير بين الخطاب السياسي والوعود الانتخابية وبين واقعها وأداء حزبها الغير مفهوم، كل هذا كانت تعالجه جملة مختصرة هي : " هيك بدو السيد "
ألا أن حجم التناقض الكبير بين شعارات الحزب وما يحمله من عناوين فكرية وسياسية وبين ما يفعله لم يعد يستسيغه أي صاحب رأي، حتى من داخل هذه البيئة
وهذا ما استطاعت عليق بحرفية أن تنقله في مقابلتها إلى السيد وإلى المشاهدين على السواء، وتعبّر عن عدم اقتناعها ومن خلفها عدم اقتناع شريحة كبيرة من بيئتها بطريقة ذكية جدا حتى أنها أحرجت السيد بأكثر من موضوع بشكل واضح.
اقرا ايضا ; حزب الله : الأسد أو نُفقر البلد
- لم تقتنع بثينة بأن الحزب يحارب الفساد حقا، وهذا بدا واضحا بعد المطالعة المستفيضة للسيد عن تركيبة البلد والاسقف المتحكمة بحركة الحزب كما قال واستحضاره لمقولة الامام الصدر، فما كان من بثينة إلا أن ردت عليه بسؤال استنكاري: وأنتم مصرون على محاربة الفساد ضمن أطر واليات هذا النظام ؟؟!!
- لم تقتنع بثينة بأن الحزب جاد برؤيته الإنقاذية للوضع الاقتصادي، عبر ما يطرحه من ضرورة الذهاب شرقا نحو الصين !!! فبعد أن استفاض أيضا السيد بتقديم الصين على أنها خشبة الخلاص لأزماتنا وأنها (الصين) جاهزة بمشاريعها العملاقة لتدخل إلى السوق اللبناني "الضخم"، وأن العراق وشعبه ومسؤوليه متعطشون للتفاح والليمون اللبناني، وأن نظام بشار يفتح ذراعيه لإخوانه اللبنانيين فهو الحريص عليهم وعلى حياتهم، فتبادره بثينة بسؤالها الذكي الذي نسف كل ما تقدم : لماذا لا تقوم حكومة دياب السيادية بهذه الخطوة ؟؟!!
- لم تقتنع بثينة أبدا، بموضوع مساعدة العدو الاسرائيلي لما اعتاد السيد إطلاقه على الثورة السورية والشعب السوري الثائر على نظام بشار "بالفصائل المسلحة"، وأن مشروعها انهزم بعد إبعاد هذه الفصائل عن حدودها وهي لذلك تعيش حالة من الخوف والرعب، وأن عدم الرد السوري على الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة إنما هو بسبب أولويات هذا النظام بمحاربة الارهاب بالداخل! فكادت بسمة بثينة أن تقول للسيد "بعلمي انهزم الارهاب وانتصر النظام " .. وتعابير وجه بثينة كأنه يقول "يا سيد يا حبيبي هذا النظام الذي لم يردّ لا في الزمان ولا في المكان المناسبين على اعتداء إسرائيل واستهدافها للمفاعل النووي في دير الزور سنة 2007 ولم يكن يومها لا إرهاب ولا من يرهبون، فضلا عن هدوء جبهة الجولان منذ عقود!! فلماذا هي الآن تخاف كما تدعي من عودة هذا النظام إلى حدودها؟؟ وهل هناك أضمن لها من جيش هذا النظام لإمساك هذه الحدود من جديد ؟؟!!
ختاما، نجحت الزميلة بثينة عليق، بتجربتها الاولى على الشاشة المرئية أن تكون محاورة من الطراز الرفيع، ونجحت بأن تخلع حزبيتها إلى حد كبير وأن تكون مواطنة تعيش واقع ما يعيشه الناس، وعليه وبعد تهنئتها على ما قامت به يراودني السؤال المزعج عن مستقبلها المهني وهل سوف تبقى تعمل في إذاعة النور أو ستلحق بزميلها سامي كليب ؟!