في اللغة: الدُّبرُ والدّبْرُ: نقيض القُبُل، ودُبُر كل شيء: عقِبُهُ ومؤخّرُه، وجمعها أدبارٌ، ودُبر
الشهر آخره، وأدبار النجوم: أخذها إلى الغروب آخر الليل.
منذ الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، وإخراج المقاومة الفلسطينية منه، وكسر شوكة الحركة الوطنية اللبنانية ومُحاصرتها تمهيداً للقضاء عليها، وصعود القوى السياسية الطائفية، واستفحال سيطرتها على شؤون البلاد والعباد، وتصريح الرئيس نبيه بري يومها بأن لا عودة لما قبل العام ١٩٨٢، وكان يعني بذلك تحديداً وحصراً: لا عودة لما كانت عليه الحركة الوطنية اللبنانية من فعاليةٍ وتأثير في مجريات الأحداث اللبنانية، وهذا ما حصل فعلاً، إذ انكفأت هذه الحركة تحت ضغط الإحتلال الإسرائيلي، وتعرّضت للقمع واغتيال رموزها وقادتها، وفاقم الأمور سوءاً على سوء دخول الحرس الثوري الإيراني إلى " الساحة" اللبنانية، وصعود حزب الله الذي "احتكر لنفسه قيادة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وسعى حثيثاً للسيطرة على أرض الجنوب وبناء ترساتنه العسكرية بالدّعم الإيراني الوافر. وأسهم عهد الوصاية السورية على لبنان بعد اتفاق الطائف عام ١٩٨٩ بالقضاء على فلول الحركة الوطنية عبر تفتيت قواها وشرذمة أحزابها وتدجين بعضها، ولم تسلم القوى اليسارية والشيوعية من مُخطّطات تصفيتها وشلّ حركتها، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اللبناني، الذي انحرفت قيادتُه أثناء تولي الأمين العام السابق خالد حدادة زمام الأمور فيه، ويبدو أنّ سرعة الانحدار نحو التّخلّي عن دوره الطليعي و"الثوري"، كانت أفدح وأعظم من أن يتمكن الأمين العام الحالي من لجمها أو تغيير وجهتها.
اقرا ايضا :خطابات دياب والثنائي الشيعي ..الإنجازات الوهمية والإنتصارات المزعومة
ولعلّ الحادثة الأخيرة التي طالت الناشط بشير أبو زيد والاعتداء الجسدي عليه، لتعرّضه بالإنتقاد للرئيس بري، وخروج منظمة الحزب الشيوعي في بلدة كفرمان ببيانٍ مع قيادة حركة أمل بتسخيف الحادثة واعتبارها فردية أي لا أبعاد سياسية لها، وهذا يؤشّر فعلاً إلى الحالة المزرية التي وصلت إليها القوى الوطنية واليسارية المعارضة للطبقة السياسية الفاسدة، ويمكن تلخيصها للأسف الشديد بكلمة واحدة هي "الادبار".
أخذ عبدالله بن علي أسيراً من أصحاب مروان (آخر خليفة اموي)، فأمر بضرب عنقه، فلمّا رُفع السيف ليُضرب به، ضرط الشامي، فوقع العمود بين يدي الغلام، ونفرت دابّة عبدالله فضحك وقال: إذهب فأنت عتيق استك، فالتفت إليه وقال: أصلح الله الأمير، هل رأيت قطّ ضرطةً أنجت من الموت غير هذه؟ قال: لا، فقال الشامي: هذا والله الإدبار، قال: كيف ذلك؟ قال: ما ظنّك بنا وكُنّا ندفع الموت بأسنّتنا، فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.