في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والعباد، الموسِرُ لا يستطيع أن يحصل على مالِه في المصارف، والفقير لا يجد قوت يومه، ومع ذلك يتناوب عليهم المسؤولون الذين أودوا بهم إلى مهاوي الإنهيار والخراب، بالإطلالات الصحفية والتلفزيونية، وبعد ترهات وأغاليط رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير، أطلق رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب خطاباً فضفاضاً منذ يومين فقط، لم يتجاوز فيه سوى نثر الإنجازات الموهومة، ألفاظٌ فقدت معانيها، ولا تُعرب عن فحواها، وظاهرٌ فيها فساد التّكلّف والتّصنُّع، ممّا يزيد في مآسي و أحزان اللبنانيين، أمّا أقطاب الثنائية الشيعية فباتوا لا يُضيّعون فرصة إلاّ وأنعموا على المواطنين بالخُطب التي يتعبون في تدبيجها، فالسيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله لا يُغفل بالطبع أن يُصدّر خطبته بالتحميد، ويستفتحها بالتّمجيد لئلا تدخل في عداد الخُطب "البتراء"، (كما نُسب إلى زياد بن أبيه في خطبته الشهيرة التي دُعيت بالبتراء لخُلوّها من حمد الله وتمجيده)، لينتقل بعدها مُباشرة إلى دعم تيار المقاومة والممانعة حسب الإملاءات الإيرانية، وقد لا تخلو الخطبة من نبرات التهديد والوعيد لمُناوئي هذا التيار، وذِكر ما يلزم من " الإنتصارات" المتراكمة للتّيار، رغم كلّ المصائب والمِحن التي أصابت البلاد التي نثروا فيها أماني "العزّ والكرامة".
اقرا ايضا ; إقفال الجامعة الأمريكية..التّصحُّر على يد العهد القويّ ودعم الوليّ
أمّا آخر خُطب الثنائي الشيعي فكانت للرئيس نبيه بري، فقد حرص بري أيضاً على توشيح خُطبته ببعض الآيات القرآنية، ذلك أنّ العرب كانت تُسمّي الخطبة التي لا تُوشّح بالقرآن بالشوهاء، قال عمر بن حطّان: خطبتُ عند زياد خُطبةً ظننتُ أنّي لم أُقصٍر فيها عن غاية، ولم أدع لطاعنٍ علّة، فمررتُ ببعض المجالس، فسمعتُ شيخاً يقول: هذا الفتى أخطب العرب، لو كان في خطبته شيئٌ من القرآن.
وإذ سلِمت خطبة الرئيس بري من التّشويه، إلاّ أنّها لم تسلم من العبارات التي لا تُشبع جائعاً ولا تشفي مريضاً، ولا تفُكُّ مغيصاً، فالرئيس بري يشتكي ممّا يشتكي منه المواطنون الغافلون المغلوبون على أمرهم، يُحاول بالعبارات الإنشائية ولغة الطهارة والإستقامة أن "يستعميهم"، ويُشيح بأنظارهم عن مسؤليّاته الجِسام في منظومة الفساد التي نخرت البلد وأوهنت عظامه، وقادتهُ إلى حافة الانهيار التّام، إلاّ أنّ الرئيس بري لم تخُنهُ هذه المرّة اللهجة الصادقة والنوايا الطّيبة وحسب، بل خانهُ اللسان الذي لم يعُد يقوى على نُطق مخارج الحروف، ولو كان دولة الرئيس يعلم أنّ الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان لم يتكلّم على منبر جماعة مذ سقطت ثناياه في الطّست، لما لجأ إلى تلاوة خُطبة مُطوّلة كتلك التي تلاها منذ يومين لمناسبة عيد التحرير والمقاومة، وكان الخليفة عبدالملك بن مروان قد قال عندما شدّ أسنانهُ بالذّهب: لولا المنابر والنساء ما باليتُ متى سقطَت.
عسى أن يكتفي الرؤساء في أيام المِحن والمصائب بما تُدبّجه مكاتبهم الإعلامية من سخافاتٍ وترهات.