قال الشاعر مظفر النواب:
من باع فلسطين وأثرى بالله، سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام، ومائدة الدول الكبرى ؟ فإذا أجن الليل
تطقّ الأكواب بأن القدس عروس عروبتنا،
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟
أقسمت بأعناق أباريق الخمر وما في الكأس من السم .. القدس عروس عروبتكم فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
منذ أيام يتسابق أصحاب القضية بتسجيل المواقف الداعمة للقدس وللقضية الفلسطينية مع المزيد من الوعود والتهديد والوعيد.
يعود القياديون على امتداد العالم العربي والاسلامي إلى تعويم قضية القدس وفلسطين في يوم القدس العالمي كمناسبة لاستعادة زخم هذه القضية في أذهان القواعد الشعبية والجماهير ، ولعل في ذلك شيء من الصواب لأن القدس وفلسطين لا تزال قضيتنا المركزية، ولعل في ذلك مبعثٌ للأمل على تحرير فلسطين والقدس من براثن الإحتلال وطرد الغزاة والمغتصبين ولعل ولعل إلخ..
وفي القراءة المستجدة لهذه المواقف ربطا بالواقع الاسلامي والعربي المزري السؤال اليوم: مَن سيحرر فلسطين؟ أي شعب وأي أمة أو بالأحرى ماذا بقي من الشعوب والأمم والمحاور لتحرير القدس وفلسطين، ما هي الإمكانات المتوفرة؟ ما هي مقومات المواجهة؟ أين هي اليوم مقومات الصمود؟
اقرا ايضا : الكلام الأسود والحقيقة المرة!!
إن أي مواجهة مع العدو تحتاج إلى الكثير من الإمكانات والمقوّمات، تحتاج إلى الكثير من الطاقات وإلى تنقية البيئة الشعبية من كل الشوائب والسلبيات حتى تكون حاضرة في أي ساحة من ساحات المواجهة.
إحدى أهم الإمكانات والطاقات هي الراحة النفسية والمعيشية لأي مجتمع يريد أن يواجه أو يحارب وإلا تبقى كل وسائل التعبئة أو التحريض غير ذي جدوى وتبقى المواجهة مجرد شعارات للكسب السياسي الذي لا طائل منه اليوم، لأن الأزمة اليوم "أزمة الشعوب" هي أزمة حياة أو موت في سبيل تأمين لقمة العيش بحدها الأدنى، ولأن القضية اليوم باتت قضية التوازنات الإقتصادية وباتت قضية فلسطين قضية ثانوية جدا أمام هول ما يحصل اليوم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية.
هكذا كان المخطط الأميركي ونجح في إفلاس الدول والشعوب، وقد ساهمنا نحن العرب والمسلمين والممانعين في التنفيذ وبكل قوة في نجاح المخطط فلم يتبق لدينا أي شي من إمكانات التصدي والمواجهة.
محور المقاومة من لبنان إلى سوريا إلى فلسطين إلى إيران فتح خلال اليومين الماضيين كل الجبهات لتحرير القدس وفلسطين وأعاد ترتيب الحضور للقضية الفلسطينية في الأولويات "الإعلامية" كحدث فخرجت المواقف والتصريحات كأجمل ما يكون، نعم إنها قضيتنا وما دونها مجرد قضايا ثانوية لا تستحق الإهتمام.
اقرا ايضا : صندوق النقد يضحك علينا
في لبنان اليوم تفقد بيئة المقاومة كل وسائل الصمود والمواجهة والقادم حسب كل التقديرات أدهى وأشرّ وهنا لا أتحدث عن مخازن السلاح إنما عن البيئة الحاضنة والناس، فكيف إذن سيحارب العريان والجائع والفقير والمسحوق تحت وطأة السعي في تأمين الحد الادنى من مقومات الحياة؟
الصورة نفسها والمشهد نفسه في فلسطين وسوريا وصولا إلى إيران التي خرج قادتها بالامس واليوم بالمزيد من التهديد والوعيد والوعود في تحرير القدس وفلسطين.
نحن نريد أن نصلي في القدس ونحن نريد أن نحرر القدس وفلسطين، ونتمنى أن تعود القدس قبلة المسلمين، أن تعود إلى تاريخها عربية إسلامية مسيحية، ولكننا قبل ذلك وقبله بكثير أن نحرر ذاتنا وبلادنا وبيئتنا من سطوة الفساد والقهر والفقر والجوع حتى نسطيع أن نكون القادة المؤتمنين على تحرير فلسطين وأن تعيش فلسطين بسلام ورغد تماما كما يعيش العدو الاسرائيلي اليوم بسلام ورغد وبحبوحة حيث لا فقر ولا جوع ولا فساد حيث القانون ودولة العدل والمؤسسات والمحاسبة .
إننا نريد أن نصلي بالقدس بكرامتنا، كرامتنا المسلوبة اليوم من أحزابنا وزعاماتنا وطوائفنا، كرامتنا المسلوبة ونحن الشعب الذي سحق في مطحنة المحاور السياسية والفساد والسرقة وسياسات المحاصصة والمحسوبيات.
قبل أن نصلي في القدس حررونا من ثقافة الموت حررونا من هذا الفقر ومن هذه المذلة التي صُنعت بأيديكم، حررونا من كل مافيات الفساد والنهب والسرقة إنهم يعيثون فسادا تحت رعايتكم وإننا نموت فقرا وجوعا أمام أعينكم.
حررونا من كل ذلك وسنحرر معكم وسنصلي في القدس قبل أن تصلّوا علينا .
في اليوم العالمي للقدس لم نعد بحاجة الى خطابات، ولدينا ما يكفي للدهر كله، إننا بحاجة إلى الصدق وإلى الشفافية وإلى احترام الانسان وهو وحده القضية الإلهية الكبرى.