لمناسبة مرور مئة يوم على نيل الحكومة الثقة ألقى رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، كلمة في السرايا الحكومية، قال فيها قبل مئة يوم، كانت السفينة تتقاذفها أمواج عاتية، والمياه تدخلها من ثقوب كثيرة وكبيرة. خزانات الوقود فارغة، والمحركات عاجزة. أبواب غرفة إدارة الدفة مخلعة. البوصلة معطلة. السفينة تغرق بسرعة قياسية، ومراكب الإنقاذ إما مفقودة أو غير صالحة.
قبل مئة يوم، لم يكن أمامنا إلا خيار تولي قيادة السفينة. ثلة من المغامرين وقفوا على سطح السفينة أمام الأعين الخائفة والقلقة، قالوا للركاب: دعونا نحاول الإنقاذ. اندفعوا نحو غرفة القيادة على عجل، وانصرف كل واحد من هؤلاء المغامرين إلى سد الثقوب وإصلاح الأعطال...استخدموا أجسادهم شراعا، وأمسكوا الدفة... وبدأت الرحلة. يمكنني أن أعلن اليوم، وبكل ثقة، أن الحكومة أصلحت السكة، وفي طور وضع القطار عليها، وأن صفارة الانطلاق قد أذنت ببدء رحلة الإنقاذ.
ويمكنني أن أعلن اليوم، أن الحكومة أنجزت ما نسبته 97 % من التزاماتها في البيان الوزاري للمئة يوم.!
بعد مئة يوم من عمر الحكومة لم ينس اللبنانيون الوعد الذي قطعه رئيسها حسان دياب في حل الأزمة الإقتصادية. لكن مهلة المئة يوم انقضت من دون التقدم ولو بخطوة بسيطة على طريق الحل، بل بالعكس مكانك راوح، لا بل لا تزال تتفاقم الأزمة الإقتصادية النقدية التي تبدو عصيّة على الحل في ظل عدم الاقدام الجِدي حتى الساعة على خطوات الاصلاح، فيما يبقى الرهان ولو أنه طويل الأمد، على تحقيق شيء ما في اطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
اقرا ايضا : صندوق النقد والصراعات السياسية.. تغييرات جذرية مطلوبة
في حين ينشغل العالم في البحث عن الوسائل التي تؤمن الامان لشعوبه من المخاطر لجائحة كورونا، يواجه الشعب اللبناني مخاطر وهواجس إضافية جرّاء مفاعيل الأزمة المالية والاقتصادية، وما تركته من إنعكاسات على حياته اليومية .
والخطير في أمر اللبنانيين انهم وكعادتهم يواجهون هذه الأزمة الوجودية المزدوجة بمزيد من الخلافات السياسية، وخصوصاً حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو حول الاختيار ما بين محور الممانعة والمحور الغربي ، أو بمعنى اكثر تحديداً وموضوعية أنهم بين خيار هونغ كونغ وهانوي وسيؤدي هذا الخلاف بين المحورين أو الخيارين إلى مزيد من الاضرار الاقتصادية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلى إضاعة الفرصة الوحيدة المتاحة لمساعدة البلد سواء عبر القروض التي يُمكن أن يقدمها صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر أو عبر المساعدات التي ينتظرها لبنان، مستقبلاً من الدول العربية الخليجية . إن التوظيف السياسي والايديولوجي والخروج على الواقع سوف تصطدم، اجلا ام عاجلا، بحدود الواقع واملاءاته، والنتائج لن تتطابق مع الاوهام. ان سياسة الرهائن والمقايضات المفتوحة، وتناسل الازمات سوف تقضي على ما تبقى من البلاد حيث لم يعد متاحاً امام اللبنانيين سوى الثورة الجارفة لان الجوع كافر .
بعد مئة يوم من عمر الحكومة لم ينس اللبنانيون الوعد الذي قطعه رئيسها حسان دياب في حل الأزمة الإقتصادية. لكن مهلة المئة يوم انقضت من دون التقدم ولو بخطوة بسيطة على طريق الحل، بل بالعكس مكانك راوح، لا بل لا تزال تتفاقم الأزمة الإقتصادية النقدية التي تبدو عصيّة على الحل في ظل عدم الاقدام الجِدي حتى الساعة على خطوات الاصلاح، فيما يبقى الرهان ولو أنه طويل الأمد، على تحقيق شيء ما في اطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
توازيا وتعليقا على الإجتماع الذي عقد في السراي الحكومي لإعادة تفعيل مقررات سيدر، تحدثت مصادر مالية أن الأسباب التي دفعت الرئيس دياب إلى إعادة تحريك ملف سيدر هي إقتناعه أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي لن يصل إلى نتيجة، خاصة وأن الصندوق لديه شروطه منها أن تكون الحكومة مستقلة، لأن صندوق النقد هو اميركا، واميركا ليست مستعدة لدعم حكومة مسيطر عليها من قبل حزب الله.
المصادر المالية قالت إن احتمال حصول لبنان من صندوق النقد على مساعدة مالية يبدو ضئيلا. بمعزل عن حاجة لبنان للقروض المالية التي يمكن أن يقدمها الصندوق، فإن لحزب الله شكوك وهواجس ان حزب الله الذي أعلن في البداية معارضته لرهن لبنان لصندوق النقد، ووضعه بالتالي تحت مظلة النفوذ الأميركي، لكنه عاد واعطى ضوءاً أخضر لحكومة دياب للتوجه بطلب اجراء مفاوضات مع الصندوق، وذلك بعد ان اقنعوه بأن مصير الحكومة، والوضع المالي والنقدي والمعيشي يرتبط بصورة مباشرة ومؤكدة بالحصول على القروض التي يقدمها الصندوق، وهكذا جاءت توجيهات الحزب للشروع بالمفاوضات، ولكن دون أية جهوزية لتأكيد قبوله بنتائج هذه المفاوضات وما ستفرضه من ضوابط على خيارات لبنان السياسية والاستراتيجية والأمنية، وما سيتركه ذلك من تأثيرات على خيارات ومستقبل محور الممانعة وبديهي ان الحزب سيحتفظ بشكوكه وهواجسه تجاه ما يُمكن أن تحمله هذه الصفقة من تدابير وإلزامات وضغوط عليه وعلى كل من سوريا وإيران، والتي ستفوق في مفاعيلها المباشرة مفاعيل العقوبات المالية التي جاءت نتيجة تجاوب حاكم مصرف لبنان وأصحاب المصارف مع سياسة العقوبات الأميركية ضده وضد حليفيه في دمشـق وطهرن.
لبنان اليوم بات بأمسّ الحاجة لقروض ومساعدات للنهوض اقتصادياً وإعادة تعويم قطاعه المصرفي. لبنان ليس إيران وليس سوريا، واللبنانيون يُدركون مدى خطورة انحيازهم للمحور المقاوم، وما هي النتائج المترتبة عليه، والتي ستؤدي حتماً إلى عزل لبنان دولياً وعربياً.
بالنهاية يبقى على الحكومة اللبنانية التحلي بشجاعة الموقف والاختيار في مفاوضاتها مع الصندوق ومع أطراف مؤتمر سيدر لإنقاذ لبنان وإذا كانت عاجزة عن اتخاذ مثل هذا الموقف الحاسم، فإن عليها الاستقالة في أقرب وقت ممكن، وقبل خراب البصرة .