بعيداً عن الأحكام المسبقة، والنوايا السلبية اوالإيجابية، وما ستؤول اليه الأمور، في ما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتمويل عجز الدولة و مع الإنطلاق الرسمي والتقني للمفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي الإثنين، والتي شارك فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سيكون لبنان قد سلك طريقاً على خطّين متوازيين خيار اللجوء إلى صندوق النقد، مقابل خيار السوق المشرقية التي يتم الحديث عنها وهي تُدرج لبنان في محور بمواجهة محور آخر. والمقصود بالسوق المشرقية، هي الإنفتاح على سوريا وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وأن يصبح البلد الصغير جزءاً من محور إيران الذي يبحث عن تحالف دائم مع روسيا والصين بمواجهة محور الغرب.
اقرا ايضا : صندوق النقد والصراعات السياسية.. تغييرات جذرية مطلوبة
الموقف الاميركي ليس واضحاً تماماً في شأن لبنان لأنه ليس إلا أولوية ثانوية لدى واشنطن سوى من منظور محاربتها حزب الله عبر توسيع نطاق تصنيفه إرهابياً في الدول الأوروبية. وبالإصرار على منع الدول الأوروبية من مد شبكة الإنقاذ الاقتصادي للبنان طالما لا تتبنّى حكومته إصلاحات جذرية جدّية تشمل إفشال تملّك حزب الله المطار والمرفأ والحدود مع سوريا.
من الطبيعي انه لا يمكن للبنان أن يكون جزءاً من المحورين أو في الموقعين، بسبب التضارب السياسي والإستراتيجي. الدعوات إلى السوق المشرقية وما تعنيه في السياسة، ستؤثر سلباً على المفاوضات مع صندوق النقد، التي بدأت الأسبوع الماضي متعثرة، خصوصاً أن الوفد اللبناني سمع ملاحظات كثيرة في الشكل والمضمون حول الخطة التي قدمها وحول آلية التفاوض.
أول الأسئلة كان من جانب ممثلي الصندوق عن كيفية البدء بالمفاوضات فيما لم يكن حاكم مصرف لبنان موجوداً او من يمثّله.
واشترط الوفد أن يتمثل المصرف المركزي وحاكمه.رياض سلامة لم تكن واردة لديه المشاركة لأنه استثني من الإستشارات عند وضع الخطة، كذلك بالنسبة إلى جمعية المصارف والهيئات الإقتصادية، وهو كان سيستمر بمقاطعته لجلسات التفاوض في ظل الإستمرار في عملية تصفية الحسابات معه واستخدام القضاء بوجهه. وجه سلامة رسالة إلى المعنيين أنه بحال استمر التعاطي وفق هذه الصيغة، فهو لن يشارك في المفاوضات، خصوصاً أن كل ما يجري هو للإقتصاص السياسي منه ولتطويعه، خاصة ما جرى بموضوع توقيف مازن حمدان، الذي يصر سلامة أنه بريء ولم يفعل شيئاً خارج الأطر القانونية، وكل الإجراءات التي اتخذت لم تسهم بانهيار الليرة إنما الهدف كان معاكساً لذلك تماماً.
بعد موقف سلامة، وضغط صندوق النقد الدولي والجهات الدولية، أطلق سراح مازن حمدان، على أن يشارك مصرف لبنان بالتفاوض مع صندوق النقد. وبحسب ما تشير المعطيات فإن المفاوضات ستكون شاقة وطويلة، خصوصاً أن هناك تضارباً في الأرقام المقدمة من قبل الحكومة، مع أرقام مصرف لبنان والمصارف، وهذه ستؤدي إلى سجالات كثيرة في المرحلة المقبلة.
لا تقف المسألةعند الموضوع التقني فقط، فالموضوع السياسي سيكون طاغياً في المرحلة خصوصاً بعد الضغط المستمر لأجل تطبيع العلاقات مع النظام السوري على أبواب تطبيق قانون قيصر الأميركي الشهر المقبل، والذي يفرض عقوبات على النظام السوري وكل المتعاونين معه. وبحال استمر المسار السياسي باتجاه الذهاب إلى سوريا أو السوق فحتماً المفاوضات مع صندوق النقد ستتعقد أكثر، والإنهيار سيصبح أكبر.
ختاماً يواجه المفاوض اللبناني، سواء انضم اليه حاكم المركزي ، او لا هناك مشكلة ضخمة، تتعلق بمصير الدعم للمواد الاساسية وبما فيها الكهرباء.. وهذا شرط ضروري، ودائم، يطالب به الصندوق، الدول العاجزة، كإجراء لا بُـدَّ منه، للقبول بتقديم المساعدة المالية .
في هذا السياق، وبعد ان انتقل لبنان من طلب المساعدة الفنية الى القروض المالية، سيدخل التجاذب المحلي والاقليمي، مع التحول الدولي. ستجعل الترقب، سيّد الموقف حتى إشعار اخر .
وعليه سوف لن يكون دعم من قبل المؤسسات الدولية والدول المانحة في ظل التموضع على خط تقاطع النزاعات الداخلية والإقليمية .