دخول لبنان في مفاعيل قرار الحكومة بالإقفال 4 أيام تنتهي صباح الإثنين المقبل، مع السماح لعدد من القطاعات الصحية والصناعية بالعمل لتأمين حاجات الناس المحجور عليهم ربما يشكل مخرجاً لحماية البلد من مخاطر الجائحة، فإن معيار نجاح الخطوة التي قد تشكل الفرصة الأخيرة لإمكانية مواجهة الوباء، مرهون بالخط البياني لعدد الإصابات بفيروس كورونا، الذي يبقى القلق مشروعاً من خطورته حتى انتهاء مراحل إعادة المغتربين والتقيّد الفعلي بكل الإجراءات المطلوبة معهم، وشمول الفحوصات غالبية المناطق اللبنانية ليصار بعدها إلى إجراء تقييم شامل لكل المرحلة الماضية التي أدت إلى عودة تطور الوباء وتحديد سبل السيطرة عليه.
بالتوازي يصل إلينا صندوق النقد الدولي. قابضاً على خطّة اقتصادية قيل فيها الكثير من الملاحظات، وبأنها لن تحظى برضاه، وسيُدخل عليها الكثير من التعديلات تعديلات ستشارك فيها الكتل النيابية، وجمعية المصارف، والهيئات الاقتصادية التي استُبعدت من إعدادها. عُقد الاجتماع الرسمي الأول مع صندوق النقد عبر الفيديو ، ولبنان يعيش أجواء أخبار تهريب الطحين والمازوت كمواد مدعومة من مصرف لبنان إلى سوريا. وبناءً عليه قرر مجلس الدفاع الأعلى استحداث نقاط جديدة لمنع التهريب بعمليات رصد وحواجز أمنية متنقلة لضبط المتورطين، فيما كان لافتاً ان أمين عام حزب الله حسن نصرالله توقع ان لا تأتي هذه الإجراءات بأي نتيجة، واعتباره ان الحل يكون بالتنسيق مع الجانب السوري.
اقرا ايضا : أجواء سياسيّة سلبية ستواكب الفترة المقبلة
وإذ يشكل بند المعابر غير الشرعية واحدا من نقاط التفاوض بين لبنان وصندوق النقد الدولي، فإن هذه المفاوضات التي انطلقت عن بعد بين الجانبين، أعطت أملاً ولو نسبياً بفتح صفحة جديدة قد تمكّن لبنان من الحصول على مساعدة مالية فورية. مصادر مالية أكدت ان تطبيق الاصلاحات المطلوبة هو مفتاح الخروج من الأزمة، وهذا لن يتم الا بدعم كل القوى السياسية، وهذه الاصلاحات تشكل عامل قوة للبنان لأن المجتمع الدولي مستعد لمساعدته شرط الشروع بها وتحقيق ذلك رسالة ايجابية، والشيء الأهم هو اصلاح المالية العامة والادارة ووضع حد للفساد والهدر وخفض العجز الى مستويات مقبولة.
وعليه فأن عيونٌ الصندوق تتفتّح على المعابر الشرعية وغير الشرعية، والتي ستكون في صلب أولويات الصندوق، إلى جانب المرفأ والمطار والكهرباء.
يُستقبل الصندوق بصراعات ومعارك سياسية مفتوحةٍ على مختلف الجبهات، وجميع أهدافها المعارك الرئاسية، وتخلق حالة التشرذم على الساحة المسيحية، والتي تنعكس في الاشتباك المفتوح بين التيار العوني، وتيار المردة. كل ذلك لن يوحي بثقة لدى الجهات المانحة، لا سيّما وأن المماحكات السياسية لا تزال على حالها، وحروب الإلغاء لا تُنتج حلولاً اقتصادية.
توازيا، رحبت مصادر ببدء المفاوضات مع صندوق النقد، مؤكدة على ضرورة الخروج من النمط الذي لا يزال سائداً لأنه بات أمرا واقعا وملموسا على المستويين الداخلي والخارجي في ظل الأزمة المعيشية الخانقة والجوع الذي بدأ يهدد الجميع دون استثناء، كما بات يهدد الدولة برمتها، وشددت المصادر على أن الجميع في لبنان مسلّم بهذا الواقع المرير لأن لا حل للازمة من دون تغيير والا فالانهيار.
ليست الساحة المسيحية يتيمة عن هذه المعارك. واقع الساحات الاخرى ليس بحال أفضل، والساحة السنية هدأت نسبياً بعد زيارة السفير السعودي إلى بيت الوسط، والمساعٍ تتكثّف في سبيل إعادة توحيد الصف واستكمال الرئيس سعد الحريري لنشاطه، وعقد لقاءات مع الدبلوماسيين والسفراء. ويتزامن ذلك مع لقاءات للرئيس الحريري في بيت الوسط للتأكيد على الثوابت، والمساعي ستستمر لتوحيد الرؤى من خلال مأسسة لقاءات رؤساء الحكومات السابقين لمواكبة التطورات، وعدم السماح لموجات التفرقة أن تتسرّب وتغذّي الصراعات فيضيع ما تبقى.
وفي اطار دولي متصل، أعلنت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان أنّها تلقت تقريراً سيّئاً حول الواقع المعيشي الرديء الذي يعيشونه اللبنانيون نتيجة الغلاء الفاحش الذي يضرب البلاد ، وحذرت اللجنة من إنفجار إجتماعي غير محدود الملامح إذا ما أخذت الحكومة اللبنانية إجراءات إستثنائية للحد من الوضع المتفاقم على مستوى تحديد سعر الصرف للعملة اللبنانية، وإطلاق عناصر المراقبة على أسعار السلع الغير ثابتة نتيجة التلاعب بتسعير صرف العملات الصعبة .
يأتي صندوق النقد، ولبنان في حالة انهيارٍ اقتصادي وضياعٍ سياسي، فلا موالاة كاملة، ولا معارضة كاملة. العمل على القطعة، كما هو الحال بالنسبة إلى الخطة الاقتصادية وما يرتبط بها. والمفاوضات مع الصندوق تحتاج لأشهر، بينما لبنان لا يمتلك ترف الصمود طوال هذه الفترة. سيكون أمام محطات كثيرة من التطورات، لا سيّما في حركة الشارع، والتي قد تأخذ طبائع مختلفة عن التحركات التي سادت الأشهر الأخيرة.
الموعد ليس مع صندوق النقد الدولي حصراً، إنما مع استحقاقات كثيرة، ستؤدي إلى تغيير جذري في البنية اللبنانية وتركيبتها.