اشار وزير الصحة حمد حسن الى وجود تلاعبٌ في رموز العمليات؛ فوترة أعمال جراحية وهمية؛ تسجيل مرضى يستفيدون من خدمات شركات التأمين على حساب وزارة الصحة وتقاضي بدل الاستشفاء من الجهتين؛ فوترة صور شعاعية "شكلية" غير مرفقة بنتائجها؛ تسجيل فحوصات مخبرية وهمية وتلاعب في عدد أيام مكوث المريض في المُستشفى؛ إدخال مرضى وهميين وتقاضي بدل "مكوثهم" أياماً في المستشفى، من دون أن يعبروا أبوابه أساساً؛ سرقة بعض مديري المستشفيات الحكومية في الأطراف المازوت المخصص للتدفئة، ما يضطر المرضى الى إحضار "دفّاياتهم" معهم. ولفت الى ان هذه وغيرها الكثير نماذج مما كشفه التدقيق في فواتير قدّمتها مُستشفيات، حكومية وخاصة، إلى وزارة الصحة التي رصدت شبهات نهب ممنهج للمال العام أثناء مراجعتها ملفات "مرضى الوزارة"، أي أولئك الذين لا يستفيدون من أي تغطية صحية تقدمها بقية الجهات الضامنة، وتكون نفقة استشفائهم وعلاجهم على حساب "الصحة". وهي أمثلة عن عمليات الهدر والفساد الصحي في القطاع الاستشفائي "تعكس عقلاً مافيوياً يستخفّ بعقل الوزارة والدولة في آن"، وفق وزير الصحة الذي فسخ، في 21 نيسان الماضي، العقد الموقّع مع مُستشفى المشرق وأوقف عقد الطبيب المراقب وأحال الملف على النيابة العامة المالية بمفعول رجعي بكافة الفواتير للمؤسسة.
وكشف حمد في حديث صحفي بأن "أحد المُستشفيات الخاصة يعمد إلى التلاعب برموز العمليات "الكودات" وتزوير العمل الجراحي بهدف مضاعفة الكلفة"، فيما لدى مُستشفيات أخرى "استشارات طبية شبه ثابتة... فهناك، مثلاً، 270 ملفاً لمرضى في شهر واحد، جميعها تتضمن معاينة من قبل الطبيب نفسه". كما أن ثمة ملفات لمرضى تفيد بأنهم أُدخلوا المُستشفى لثلاثة أيام، فيما تبيّن أنهم مكثوا يوماً واحداً فقط. كما تبيّن لوحدة التدقيق في الوزارة أن عدداً من المرضى أجروا فحوصات مخبرية فقط في المستشفى، في وقت تتضمّن ملفاتهم مكوثهم في المُستشفى خمسة أيام. وفي بعض الحالات، هناك ملفات تفيد بخضوع المريض لعدد كبير من الفحوصات المخبرية والصور الشعاعية، من دون أن ترفق نتائجها بالملف، ولدى التدقيق تبيّن أن هذه الفحوصات لم تجرَ أصلاً. واللافت أن موظفي وحدة التدقيق، أثناء محاولتهم التواصل مع المرضى للتأكد منهم بشأن طبيعة العلاج الذي تلقوه، فوجئوا بأنّ أرقام هواتف عشرات المرضى غير صحيحة.
وأوضح حمد أن "مُستشفيات جامعية كبيرة لا يقلّ سقفها المالي عن ثلاثة مليارات ليرة تزعم أمام بعض المرضى أنها غير متعاقدة مع وزارة الصحة، وتخصّص السقف لمرضى محظيين". وأكّد أن عمليات التدقيق "أظهرت نتائج كارثية"، مشدداً على أن الوزارة "ستعمل على مكافحة الفساد الصحي من خلال التشدد في الرقابة على تجاوز السقوفات المالية". الهدف من القرار، وفق حمد، هو "وقف الهدر في وقته ولحظته وليس عبر إجراءات لاحقة"، وهو من ضمن "استراتيجية صحية واستشفائية سليمة تحمي المواطن وتحفظ حق المؤسسة من دون تحميل أعباء مشبوهة لوزارة الصحة وللمال العام". ولفت الى "حق المواطن بالاطلاع على الفاتورة وعلى الإجراءات الطبية المنفذة التي خضع لها والمُطالبة بالتدقيق مع طبيب الوزارة المنتدب في الفاتورة قبل دفع الفارق. ولم يعد مسموحاً أن يُقال للمريض إن الفاتورة لم تجهز بعد، إذ يجب أن تكون جاهزة قبيل خروج المريض من المؤسسة الاستشفائية".
واقرّ حمد بأن "كثيرين من هؤلاء مشتبه في تورطهم وتواطئهم، وسيحوّلون إلى النيابة العامة فور مباشرتنا بالتدقيق المُباشر، وهو أمر لم يكن يحصل سابقاً".
قرار التشدد في التدقيق في تجاوز السقوف المالية يأتي في خضمّ معركة تخوضها المُستشفيات الخاصة لاسترداد أموالها المتراكمة على الدولة والتي تقدر بنحو "ألفَي مليار ليرة لم يُصرف منها إلا الجزء القليل"، وفق ما أبلغ رئيس نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون "الأخبار" في وقت سابق. غير أن هارون لم يجب على اتصالات متكررة للوقوف على رأي النقابة في القرار الوزاري.
وتُقدّر كلفة الاستشفاء التي تتكبدها وزارة الصحة سنوياً بنحو 425 مليار ليرة. ومع تخطي المُستشفيات الحكومية للسقوف المالية المخصصة لها، فإنّ الكلفة تلامس أحياناً الـ 500 مليار ليرة، بحسب مصادر في الوزارة.
هذه الوقائع تحتم إعادة النظر في الواقع الاستشفائي في لبنان وفي آلية عمله، ليس بهدف ترشيد كلفته السنوية فقط، بل لضمان حصول كل من المواطن والمؤسسة الاستشفائية ووزارة الصحة على حقه من دون أن يشعر أي طرف بالغبن.