أخيراً ولدت خطة دياب للإنقاذ. إنّها خطة مِن قريبو فقط للدلالة على الالتزام بمهلة المئة يوم. وفي عبارة أوضح، هناك من يُقول أن لا إصلاح في الخطة، بل وعودٌ بوجود نيّات إصلاحية. وثمة مَن يخشى أن تكون هذه محاولة إنقاذٍ أو إنعاشٍ للطاقم السياسي، لا للدولة والبلد. والدليل على ذلك ما قاله النائب ابراهيم كنعان على الخطة الاصلاحية بالقول الخطة هي كناية عن رؤية ومشروع اطار يجب ان يناقش ويعدّل لاسيما أن الكثير مما تتضمنه بحاجة لتطوير وهي لم تجب عن اسئلة عدة وهناك علامات استفهام حول بعض مضامينها وكيفية تأمين التمويل المطلوب.
وأضاف يجب ان لا يعتقد احد انها منزلة او صائبة في كل توجهاتها وغير قابلة للتعديل وهي بحاحة للنقاش في المجلس النيابي ومع القطاع الخاص.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، هو هل جاءت خطة الحكومة ثمرة توافقٍ واسع مع القوى المعنية في الداخل الهيئات الاقتصادية والمالية، والقطاع المصرفي خصوصاً وفي الخارج صندوق النقد الدولي والجهات المعنية بالمساعدات للبنان، ولاسيما واشنطن؟
بمعزل عن الردود السياسية التي ظهرت في بيت الوسط أو سواه، كان الردُّ سلبياً في العديد من الأوساط الاقتصادية والمالية والحقوقية إنّها ليست خطةً بالمعنى الحقيقي للكلمة. هي ليست أكثر من أطروحةٍ إنشائية. ليس فيها بنودٌ إصلاحية قابلة للتنفيذ، بل وعود.
اقرا ايضا : خطط الحكومة على الوعد يا كمون
وأما ما هو مهيّأ للتطبيق فهو الجزء المتعلق بالمصارف والمودعين والودائع.
بات بحكم المؤكد للجميع أن لا مجال لانقاذ لبنان من الانهيار سوى عبر تفاوضٍ جدّي مع صندوق النقد الدولي يفتح الباب أمام أموالٍ من الخارج شرط إثبات الإصلاحات الجذرية الجدّية. حزب الله يرفض التفاوض والتعاون مع صندوق النقد الدولي سوى بموجب شروطه وبالانتقائية التي يوافق عليها الرئيس عون وصهره باسيل القابض على مفاتيح شركة الكهرباء وكذلك مستقبل النفط والغاز والطاقة بِرُمتها.
بكلام آخر، هذا المحور يريد نصائح تعجبه من صندوق النقد الدولي إنما مع تحييده ومنعه من التدقيق في الدفاتر والحسابات كتلك في قطاع الطاقة الذي أفلس الدولة.
مصادر مطّلعة على الأمر أكّدت أن صندوق النقد الدولي رد على الطلب بالإشارة الى ان لبنان دولة تخلّفت عن الدفع عندما ضربت ديون اليورو بوند بعرض الحائط وليس في وسع الصندوق القفز على الأمر وتقديم القروض أو المعونات.
المفتاح للمعونات الخارجية واضح وهو التفاوض الجدّي مع صندوق النقد الدولي مع إثبات الصدق في إصلاحات شاملة، وليس إصلاحات انتقائية تضغط على قطاع وتستثني الآخر لأسباب سياسية.
رغم الخطة الاقتصادية التي أقرّتها حكومة حسان دياب، وعلى أساسها تقدّمت بطلب رسمي للمساعدة إلى صندوق النقد الدولي، فإن اللبنانيين لا زالوا يعانون الأمرّين بسبب غلاء الأسعار وارتفاع الدولار، والاحتكار، والشحّ في المداخيل، بالإضافة إلى عبء وباء كورونا الذي لا سقفاً زمنياً معروفاً له. وتحت ثقل كل هذه الأعباء تزداد الأوضاع خطورةً، ما يحتّم، حكماً، التفكير في خياراتٍ جريئةٍ لإنقاذ الأمور من الانفجار الكبير. مصادر مواكبة لفتت إلى أن هناك العديد من الاقتراحات النقدية التي تضمنتها الخطة تتطلب إقرار قوانين تصدر عن مجلس النواب.
وفيما يبقى الاهتمام منصبّاً على ما يُمكن أن يخرج به لقاء بعبدا، المقرّر الأربعاء، على طريق توفير توافقٍ داخليٍ يساعد طلب لبنان أمام صندوق النقد، فإن حضور الكتل النيابية من باب القناعة بمسؤولية الجميع في المعالجة، لا يعني موافقتها على كل ما في الخطة، فهناك ملاحظات مختلفة لعددٍ من القوى السياسية كانت أعلنتها وينتظر أن تضعها امام رئيس الجمهورية ميشال عون. وفي هذا السياق، برز موقفٌ جديد لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر اعتبرَ فيه أن استلام صندوق النقد الدولي طلبَ المساعدة يمثّل اعترافاً من الحكومة اللبنانية بحجم الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان، سائلاً عن مدى استعداد الحكومة اللبنانية للقيام بالخطوات اللازمة للحصول على مساعدة الصندوق.
وقد علّقت مصادر مالية على موقف جمعية المصارف الرافض للخطة المالية، ومشاطرة مصرف لبنان لها في هذا الموقف، بعد التجاهل المقصود من قبل الحكومة لها، حيث قالت المصادر إن، الجمعية لم تكن في أجواء الخطة وتفاصيلها،
وتساءلت المصادر المالية، كيف تطلب الدولة من المصارف إعادة تكوين رساميلها فهل يجوز تحميلها مسؤولية الإفلاس والفشل، دون الاستماع لرأيها فيما المطلوب اتّخاذ تدابير تساعد على تحفيز الاقتصاد.
ختاماً، كانت هناك مقولة ابتكرها العقل اللبناني منذ زمن، وهي أنّ القوى الدولية حامية الاستقرار اللبناني كلما أشرف على الانهيار، لأنّ للمجتمع الدولي مصلحة في هذا الاستقرار. وعلى هذا الأساس، تمارس القوى اللبنانية دلعاً متمادياً، وتمارس الفساد بلا حدود.
أما الخطة الموعودة، فليست سوى عنوان للاستهلاك، بل هي بالون إختبار آخر وسرعان ما سيزول. فهذه الخطة لا ترى النور ما لم تتوافر مقومات تطبيقها داخلياً، وما لم تحصل على تغطيةٍ دولية تسمح بتدفّق الأموال التي يحتاج إليها لبنان، سواء من صندوق النقد الدولي أو من المانحين في مؤتمر سيدر أو سوى ذلك. فالخطة تكون إنقاذيةً أو لا تكون بشرط أساسي، وهو أن تنسجم مع متطلبات الشعب اللبناني والمجتمع الدولي والجهات المانحة. وهكذا سيبقى لبنان في مهب الريح حتى إشعار أخر .