أثارت إعجابي صورة جمعت بين الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وهما يرتديان كمامتين.
تحاشى كل واحد منهما من خلال تلك الوصفة الصحية أن يُعدي الآخر، أو أن يكون ضحية للعدوى.
تصلح تلك الصورة أن تُستعمل ملصقا دعائيا للحث على استعمال الكمامات من أجل تحاشي انتشار تأثيرات الفايروس الآثم.
كما أن الصورة تعبر عن حقيقة أن إخفاء جزء من وجهي الرجلين كان مطلوبا من أجل إخفاء أي تعبير ساخر أو يحمل نوعا من الضغينة.
هناك ممثلان على مسرح يعرفان جيدا أنهما قد غادراه فعليا، لأن دوريهما قد انتهيا ولم يعد وجودهما ضروريا إلا من أجل التقاط تلك الصورة.
تلك صورة لذكرى أليمة، يمكن للسوريين من خلالها أن يتعرفوا على رمزين من رموز الخراب الذي وإن تعددت صفحاته وأشكاله وتداعياته، فإنه سيظل قائما باعتباره عهدة كتب بشار الأسد سطورها الأولى، ومن ثم أكملت إيران كتابة جزء مهم ورئيس منها.
لذلك فإن الخوف من الفايروس يبدو كما لو أنه قناع لإخفاء الحقيقة. فهناك أجزاء من الخراب سابقة ولاحقة كانت مجرد هوامش وملاحق لما فعله الطرفان اللذان صارا يوهم أحدهما الآخر بالثقة التي لم تعد ضرورية.
لقد هُزم بشار الأسد رمزيا مع سقوط أول قتيل في الاحتجاجات السلمية عام 2011. أما هزيمته الواقعية فقد وقعت حين سلم مفاتيح المدن والقرى السورية للحرس الثوري الإيراني وللميليشيات التابعة له، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني الذي عمل جاهدا على إضفاء الطابع الطائفي على الأحداث.
وإذا ما كان الأسد قد عبر في مناسبات عديدة عن شكره لإيران لأنها ساهمت في المذبحة السورية، فإنه حين لجأ إلى الروس من أجل حماية نظامه من السقوط الذي كان وشيكا قد سحب البساط عمليا من تحت أقدام الإيرانيين.
كانت تلك خطوة ذكية لكن متأخرة.
لقد اكتشف الأسد أن الروس وإن جعلوا من سوريا منطقة لنفوذهم، فإنهم لن يفترسوها مثلما يفعل الإيرانيون الذين كانوا قد سبقوا رجاءه الروسي وهيمنوا على مناطق كثيرة في سوريا، بعضها يقع في محيط العاصمة بدواع طائفية ملفقة لأنها لا تستند إلى أساس تاريخي راسخ.
وهو ما يدفعني إلى القول إن الإيرانيين لا يثقون بالأسد الذي لا يثق بهم. تصلح صورة الرجلين بكمامتين للتعبير عن ذلك المزاج الخبيث.
غير أنها يمكن أن تجسد واقع ما انتهى إليه الحوار بين طرفين مهزومين، لم يعد الاتفاق بينهما ممكنا بعد سنوات طويلة من حرب، تعددت أطرافها وتشظت وضاع الخيط الذي يصل بينها وبين هدف بعينه.
وبسبب الفوضى التي تخللت تلك الحرب فإن إيران فقدت القدرة على أن تلعب دور المايسترو في سمفونية الخراب تلك. ذلك دور حلمت أن تلعبه لكي تضم سوريا إلى إمبراطوريتها غير أنها حُرمت منه بسبب دخول العامل الروسي عنصرا رئيسا في المعادلة.
سيكون على الإيرانيين ألّا يتبجحوا بالقول إنهم قد حموا دمشق من السقوط مثلما يفعلون لإذلال العراقيين حين يزعمون أنهم قد حموا بغداد من السقوط حين احتل تنظيم داعش نينوى ومحافظات عراقية أخرى.
ذلك الفشل يتحمل المسؤولية عنه بشار الأسد من وجهة نظر الإيرانيين.
أما الأسد فإنه يظن أنه قد حمى نظامه من الاحتواء الإيراني حين استنجد بالروس. ففيما لو أن الإيرانيين وأتباعهم كانوا قد نجحوا فعليا في حماية نظامه من السقوط لكان ذلك قد شكل إيذانا بإلحاقه بالإمبراطورية الفارسية باعتباره ذيلا من ذيولها.
تهبنا تلك الصورة التاريخية فرصة للتلصص على صديقين تبلغ العداوة بينهما حدا لن يصل إليه عدوّان، تقاسما بشرف أرض معركة واحدة.
لذلك كان الفايروس ضروريا لكي يلتزم الرجلان بحدود السلامة ويظهران كما لو أنهما متعافيان.