قالها رسول الله المسيح عيسى ابن مريم (ع)، وهو يخاطب جماعة الكهنة والحكَّام والتجَّار، والواعظين المتخمين من أتباع الأبالسة والقياصرة، والناهبين المرائين الخدَّاعين الكذَّابين، فخاطبهم بخطابٍ جريءٍ لا يخاف في الله لومة لآئم،(إنهم يحزمون أحمالاً ثقيلةً شاقَّة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحرِّكوها بإصبعهم.. وكل أعمالهم يعملونها لكي ينظرهم الناس! فيعرضون عصائبهم، ويُعظِّمون أهداب ثيابهم، ويُحبون المُتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيَّات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: سيدي سيدي!.
ويلٌ لكم أيها الكتبة والفرِّسيُّون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلَّةٍ تُطيلون صلاتكم!)،هذا هو رسول الله الأمين على رسالة السماء، الذي صبَّ جامَّ غضبه على تجار الكهنة الذي زوَّروا عبادة الله تعالى لأجل منافعهم وشهواتهم وملذاتهم، القائمة باسم الله وتحت ذريعة حق الله في الأموال والزكوات والصدقات،باعتبارهم الوكلاء الرسميون والناطقون باسم الله، فهذه الخديعة قامت بتخويف الناس وإفقارهم، فنظر الرسول المسيحي، في لحاهم الطويلة والمحنَّاة بحنى التصابي من أجل الإصطياد، ويتحرَّك تحت كل شعرة من لحاهم أذناب الشياطين، ونظر في وجوههم ليرى وقاحة ضمائرهم، فخاطبهم (يا أولاد الأفاعي).
وهذا رسول الله محمد (ص)، الذي ثار على هؤلاء المستغلين باسمه وباسم الله، عندما ضجَّت قريش وكهنتها بالآكل والمأكول، والسارق والمسروق، والناهب والمنهوب، والغني والفقير، والعالٍ والوضيع، لم يبن (محمداً) مجلساً أو مؤسسة أو حزباً أو جميعةً تسلب أموال الناس باسم حق الله، بل صبَّ جامَّ غضبه على تلك الطبقة التي تأكل تعب غيرها تحت قائمة التبشير الديني، وهو الذي خاطبه الله تعالى بقوله: قل لا أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري على ربَّ العالمين) فكيف يكون الدين مهنة للإرتزاق، فالذي نذر نفسه لله ولدينه، فليتخذ الفقر جلباباً، كما ورد على لسان أهل البيت(ع) ، وكما قال وصيه أمير المؤمنين (ع)،(من أحبَّنا أهل البيت فليعد للفقر جلباباً). فأين وكلاء أهل البيت، وأين أوصياء علي (ع)، وأين دعاة علي (ع).
فلا شيء حولنا في هذا البلد سوى غباء سلطة محزَّبة من صنفٍ بشريٍ اللاعقلاني، المتعسِّف، لا شيء سوى الإحتيال التافه الذي ولَّد مصائب لهي أشد من "كورونا"، جوعاً وفقراً وحاجةً، لا شيء سوى الهيمنة المتعجرفة التي لا تعرف حدوداً بتسلطها على السرقة والنهب والفساد والإفساد،سلطة محزَّبة، بل دولة محزَّبة، أفقرت شعبها وسرقت مقدراته، وقدَّمت المرتزقة على أشرافهم، والجهلة على متعلميهم من أصحاب الكفاءات، هم المتسكعون الخموليون والمتسولون الذي يأكلون خبز غيرهم ظلماً وعدواناً، لقد عودتهم أحزابهم أن يأكلوا على أكتاف الناس، ويتقنون الكذب على الفقراء والبسطاء، ليصلوا إلى مراكزهم العفنة والنتنة، ويتبذَّخون على جهد الناس الطيبين والفقراء، ويعيشون على تعبهم وعرقهم ودمهم، كما تعيش الحشرة بقضم الأخضر واليابس في جوف الأرض وعلى ظهرها، وكما تعيش السوسة على ماء الشجر وأوراقها، وكما يعيش الجراد التي لا تعرف شبعاً، بل أكلاً لَمَّاً، إنهم أدعياءٌ منافقون، وحاشى لأهل الله والأمناء على الناس أن يثوروا على مجتمعٍ يسود فيه الآكل والمأكول، ثم نراهم يعيشون عيشة الأبالسة والقياصرة.
فهذا صاحب علي (ع) نوف البكالي، يقول: أتيت أمير وهو في مسجد الكوفة فقلت: عليك السلم يا أمير المؤمنين ورجمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام يا نوف ورحمة الله وبركاته، فقلت له: يا أمير المؤمنين، عظني، فقال: أحسن إلى الناس يُحسن الله إليك، فقلت: زدني يا أمير المؤمنين، فقال: يا نوف، إن سرَّك أن تكون معي يوم القيامة فلا تكن للظالمين معيناً). وهذا النبي محمد (ص) نظر إلى عليٍ (ع) وقال له: يا علي.! إنَّ الله قد زيَّنك بأحب زينةٍ لديه: وهب لك حب المستضعفين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً.