لم يكن تجدد التظاهرات في بعض المناطق اللبنانية منذ بداية الاسبوع الماضي مجرد ردة فعل عادية من قبل الناس بل كانت تدخل في اطار استكمال تظاهرات 17 تشرين التي اندلعت في العام الماضي وتم توقيفها قسريا بسبب وباء "الكورونا" التي حدت من استمرار التصعيد الشعبي والالتزام الاخلاقي بمعايير الأمانة الصحية للحفاظ على سلامة المنتفضين.
فالجوع كافر وحكومة المستشارين منذ تسلمها زمام الامور لم تقم بتقديم اي مشروع يستعيد ثقة الناس في عملية تحسين الظروف الاجتماعية والانسانية والاقتصادية.
سقطت حكومة المستشارين منذ اليوم الاول لكن جائحة "الكورونا" اطالت بعمرها واجبرت المنتفضين الجلوس في البيت حتى باتت تعلم بان وضع الناس في الحجر سيؤدي الى انتفاضة جديدة تحت عنوان الجوع الذي بات يهدد اغلب العائلة اللبنانية ،الجوع كافر لكن الناس فقدت الثقة .
خرج الناس بردة فعل قوية على الاحوال الاقتصادية وتصرفات المسؤولين والمعنيين للتعبير عن اوجاعهم بظل الصعود الصاروخي للدولار والحكومة غائبة عن اجتراح الحلول لوضع حد لارتفاع سعر صرف الدولار .
لم يكن موضوع الدولار وصعوده مسألة عادية في لبنان في ظل انتشار جيش من الصيارفة المزورين والمحميين من القوى السياسية التي تحاول السيطرة على الاقتصاد اللبناني من خلال اجبار حاكم مصرف لبنان على تقديم تنازلات تمكنهم من فك عزلتهم الاقتصادية والالتفاف عليها، بالوقت عينه فقدت السلطة قدرتها في التصدي لهؤلاء في ضبط سعر الصرف والتحكم به .
الارتفاع الجنوني للأسعار وارتفاع الدولار وغياب العجلة الاقتصادية ساهم بانهيار اقتصادي سريع استدعى من الناس للخروج والتمرد على قرارات الحكومة وعدم الرضوخ لأوامرها لناحية العزلة وخاصة بان الحكومة لم تستطع تقديم نفسها على انها حكومة تحمل توجهات وترسم لخطط اصلاحية قد ترى النور قريبا.
لقد حاولت الحكومة تمديد الحجر الاجباري تحت شعار الخوف من انتشار "الكورونا، ونقل العدوى للأخرين بالوقت الذي تتباطأ في اتخاذ التدابير التي كانت يمكن ان تحد فعليا من خطر الجائحة من خلال الفحوصات التحليلية التي لا تزال بعيدة وربما كانت تحاول الاستفادة من الحجر لكي تنفذ ماربها وخططها بعيدا عن اي اعتراض شعبي ، وبنفس الوقت تحاول فك العزلة تدريجيا كي تبقى مسيطرة على الشارع منعا لأي تجدد للانتفاضة الشعبية التي باتت تنذر بالانفجار القريب لا يمكن عزل الناس ووضعهم في المنازل بغياب تقديم المعونات الاقتصادية والاجتماعية والصحية وخاصة بان هذه الحكومة حتى اليوم لم تقدم المبلغ البسيط الذي وعدت به الناس بما يعادل 70 دولار بالعملة اللبنانية المرتفعة .
إقرأ أيضًا: المزاد الروسي في سوريا وعبء النظام
خرج المتظاهرون في كل المناطق في ردة فعل اولية فكانت الدولة بالمرصاد لهم بعد تعامل قاسي من قبل القوى الامنية تحت عنوان وجود مندسين داخل المجموعات الثائرة وكان اللهجة القديمة لم تتغير ابدا .
تحاول السلطة تهديد الناس بالتصدي والقمع والوقوف بوجه المنتفضين بالوقت الذي لم تستطع هذه الحكومة من تقديم اي تطمينات للناس بالوقت الذي كانت تشير خطابات رئيسها بانها حكومة كل الشعب اللبناني لكن الامور باتت تتضح فعليا بان هذه الحكومة هي حكومة المستشارين للقوى التي ساندتها واوصلت رئيسها للحكومة حيث باتت مهمته الوقوف بوجه الاخرين للمحافظة على موقعه الرئاسي ، لقد تحول الرئيس الى طرف بوجه اخصامه في الطبقة السياسية وبوجه الثوار الذين لا يزالون يرفعون شعار كلن يعني كلن والحكومة واحدة منهم .
الاشكال الاخير الذي وقع في طرابلس وفرن الشباك مع المتظاهرين من جهة والجيش اللبناني من جهة اخرى يضع الامور في عنق الزجاجة وقبلها بأيام نفس الاشكال بين الجيش والمتظاهرين في صيدا و تعلبايا مسؤولية خطيرة جدا تحاول الطبقة السياسية اللعب بها ، وكأن المطلوب توريط الجيش بالمشاكل الجانبية بين الاطراف ووضعه بوجه الثوار كانه انتقام من الجيش وقائده لما قدموه في المرحلة السابقة من حماية الانتفاضة والمنتفضين.
هذه الخطوة خطيرة ودفع الجيش للوقوف بوجه الشعب لعبة قذرة جدا من الطبقة السياسية لان الجيش خط احمر وممنوع التعدي عليه او استنزافه من اجل مصالحهم الخاصة الجيش جيش الشعب وقيادته قيادة صلبة ووطنية يمكنها حماية البلد والاعتماد عليها .
ربما الطبقة السياسية تستهلك اوراقها الاخيرة للانقضاض على المؤسسات اللبنانية وتدميرها بعد السطو على المال العام وتعميم الفساد في داخلها وتحاول تقديم كبش محرقة والخروج من الازمة فمرة تحمل المصرف المركزي وحاكمه وتنقض عليه وتحميله المسؤولية ومرة ثانية تحاول توريط الجيش والمؤسسات الامنية .
المشكلة الاساسية بان هذه الطبقة السياسية عاجزة عن مواجهة الحقيقة والوقوف امام المشكلة بشفافية وفي مخاطبة الجماهير التي تعرف كل شيء عن طبيعة الازمة ومسببيها ، لكنها لا تزال تتهرب من المسؤولية .
هنا لابد من القول آن الاوان للانتفاضة الشعبية بالعودة الى متابعة الانتفاضة من جديد والوقوف بوجه السلطة ولكن يجب الانتباه بان المرحلة القادمة يجب ان تفعل من خلال توجه سياسي ومطلبي واضح كمشروع انقاذي لا يسمح لهذه السلطة من التقاط انفاسها مرة جديدة والانقضاض على السلطة لان المرحلة حرجة حيث باتت تتطلب خطوات مدروسة في التحرك القادم .