يشكّك خبراء اقتصاديون وماليون من غير المستشارين في أنّ الحكومة قادرة على التوصل الى خطة اقتصادية شاملة في وقت قريب تحاكي ما هو مطلوب دولياً، وما تعهّدت به تجاه هذه المراجع. وهي التي تنتظر ما يمكن تسويقه لدى صندوق النقد الدولي وفي اتجاه إدارة مقررات مؤتمر «سيدر واحد». وهو امر تعزّزه التصرّفات اليومية على خلفياتها السياسية التي قادت الى اعتبار القرارات التي اتُخذت أداة لتعزيز مواقع السلطة في المواجهة التي تخوضها مع «المنشقين الجدد» عنها بعد سقوط التسوية السياسية في منتصف العهد وخروج نصف بناتها الى الموقع المقابل.
ومردّ هذا الاعتقاد السلبي، انّ الحكومة لم تتوصل بعد الى مقاربة موحّدة، للأسباب والتطورات التي قادت الى ما نحن فيه واسبابه. وهو ما شكّل انعكاساً لحجم الخلاف الكبير القائم بين اطراف التركيبة الجديدة للحكومة من مجريات الوضع الاقتصادي والنقدي في لبنان، كما شكّل ترجمة طبيعية للانقسام السياسي بين أهل الحكم والحكومة في ما بينهم، قبل المعارضين، في ظلّ التنافس الخفي بين مكوناتها، والذي نزع عنها صفة «حكومة المستقلين» كما أرادها رئيسها وما وعد به، عقب الإنتفاضة التي اطاحت الحكومة السابقة قبل ان تطيح بها صفة حكومة «حزب الله».
لا يكفي ما سبق ذكره لتقديم صورة كافية لما تواجهه حكومة حسان دياب من مصاعب داخلية وخارجية. فمن بين مكوناتها، من لا يزال يتمدّد في اتصالاته السياسية مع اطراف بقيت خارجها، وهو يرفض المسّ بالتوازنات القائمة من خارجها، في موازاة من يصرّ على خوض الحرب بشراسة على الفريق الخارج من التسوية، ويسعى الى ملاحقته، قبل ان يحقق الإجماع لجعل حكومته آداة صلبة للمواجهة.
فلا يكفي في رأي المراقبين ان يتمترس البعض وراء موقع رئيس الحكومة في هذه المواجهة مع اسلاف شاغلي السراي الحكومي رئيساً وفريقاً، من خلال استهداف رموزهم في مواقع حساسة. وهو ما ترجمته الحملة التي شنّها رئيس الحكومة يوم الجمعة الماضي على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون ان يضمن طريقة مواكبة المرحلة التي ستليها وتردّداتها. فمثل هذه الحملة لها مقوماتها التي يجب توافرها في شكلها وتوقيتها ومضمونها قبل خوضها. وهي غير مضمونة من دون انخراط مكوناتها كاملة، مخافة ان يخسر المواجهة قبل ان تنطلق فصولها.
ورغم حجم «النقزة» التي ولّدها موقف رئيس الحكومة على جبهتي المؤيّدين لما طرحه والمعارضين له، فقد ظهر جلياً انّ الخطوة لم تكن محسوبة بدقّة، وانّ الحملة التي اطلقها رئيس الحكومة من على باب «المجلس النيابي الموقت» في قصر الأونيسكو عقب الجلسة التشريعية، متجاوزاً ما شهدته من افخاخ نُصبت له ولحكومته من اهل البيت والمعارضين معاً، وهو ما اضعف الحملة عندما استُكملت حكومياً، فوضعته في مواجهة غير متكافئة مع حاكمية مصرف لبنان. ولم يظهر انّ له نصيراً مضموناً سوى «التيار الوطني الحر» وشخصيات لا تقدّم مواقفها ولا تؤخّر في مجرى المعركة.
وعليه، وبعد موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المعلن، ليس خافياً على احد انّ التشكيك بموقف «حزب الله» له ما يبرّره، وهو بات على بساط البحث. فرغم انخراط الحزب بأدواته السياسية والنيابية والاعلامية في الحملة على سلامة وجمعية المصارف، بعدما قال فيهما ما لم يقله احد من قبل، فقد صُدمت اوساط ثنائي السراي - اللقلوق بإشارات الحزب اللاحقة، التي نفت نيّتها المطالبة بإقالة سلامة او محاكمته. واعتبرت، انّ ما طُرح في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي في بعبدا، لا يعدو كونه استمزاجاً للآراء ولم يصل الى حد إقالة سلامة او محاكمته.
فالجميع يدرك، انّ دون مرحلة إقالة سلامة عقبات قانونية وسياسية محلية ودولية، اقتصادية ونقدية، ويدركها خبراء الحزب الاقتصاديين والماليين واصدقاؤهم في عقلهم العميق، وان تجاهلوها في العلن. ولذلك ظهر التحالف الثنائي بين دياب وباسيل من دون سند قوي، بعد التباين ضمن الثنائي الشيعي ولو بدرجة متفاوتة.
وبناءً على ما تقدّم، فقد اكتشف المحيطون برئيس الحكومة، ولو متأخّرين لأيام، انّ المهمة التي جاءت هذه الحكومة من أجلها صعبة جداً، وانّه طالما انّها غير قادرة على محاسبة من هم على يمين وعن يسار اقطابها، لا تستطيع الإقلاع في اتجاهات أخرى. فردّات الفعل من دار الفتوى وبكركي وعين التينة و»بيت الوسط»، أوجبت اعتبار انّ التجربة الحالية التي قام بها دياب، لا تعدو كونها استنساخاً لتلك التي خاضها التيار والحزب ضد الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة ومن بعده تجاه وزيري الاتصالات جمال الجراح ومحمد شقير، قبل ان يُقدما على اي خطوة مماثلة في بعض المؤسسات التي تدور في فلك حلفائهم. فقد تلقّى التيار والحزب يومها اكثر من نصيحة للمطالبة بتحقيق شفاف في ملفات الكهرباء والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي او مجلس الجنوب وربما مجلس الانماء والاعمار، حيث قنوات الهدر المخيفة، قبل الوصول الى ما هدفا اليه في حينه.
وعليه، لم يعد صعباً على من يخوضون الحرب الحالية على سلامة ان يكتشفوا انّها مواجهة معقّدة وقاسية مع الداخل والخارج. وانّ عليهم ان يحتسبوا جدّياً انّ اي حاكم جديد لمصرف لبنان لا يمكنه تجاهل العقوبات الاميركية المفروضة، التي يتقدّم تطبيقها على القرارات الدولية، وهي تتحكّم بكل النظام المصرفي العالمي. فكيف في بلد بلغت الدولرة فيه نسبة الـ 73 % فهل يحتسبون هذه الملاحظة ام انّهم ماضون في «حربهم الاصلاحية» لتعزيز مواقعهم في السلطة، وليس من اجل ان تستقيم الأمور في البلد؟