يقول القريبون من دياب: «كُفّوا عن تحديد المُهل. كيف ينتظرنا بعض السياسيين «على الكوع» لمحاسبتنا، بعد 100 يوم، فيما هم أمعَنوا سنوات في تخريب الدولة والهدر والفساد؟ لقد سلَّمونا بلداً مفلساً، وهربوا من مسؤولياتهم ومن الشعب الذي انتفض عليهم. وعوض أن ينكفئوا، نراهم يزايدون ويعرقلون ويحرِّضون الناس»!
وفي الأيام الأخيرة، سُمِع عدد من الوزراء يطلقون انطباعات متشائمة، أو على الأقل، أدنى تفاؤلاً من تلك التي اعتادوا التعبير عنها منذ ولادة الحكومة في 21 كانون الثاني. ويقول أحدهم: «الحلول ليست صعبة بمقدار ما يظنُّ البعض. لكن التحريض يشلُّ حركتنا. فكيف نواجه هذا المستوى من الضغوط، هنا وهناك، وفي الداخل والخارج»؟
إذاً، وصلت حكومة دياب إلى الاستحقاق المنتظر. والأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة: هل ستلتزم وعودها وتباشر الخطوات الإنقاذية، أم ستتراجع تحت وطأة المصالح المتضاربة؟
القوى السياسية التي دعمت الحكومة وشاركت فيها، تستنفر اليوم كل قواها لمنعها من السقوط تحت وطأة الضغوط الشعبية التي بدأت تتشكّل. وهي تخشى انتفاضة شعبية ثانية تجرف حكومة دياب بعناوين مالية واقتصادية، كما جرفت انتفاضة 17 تشرين الأول حكومة الحريري بالعناوين إيّاها.
وإذا كان الحريري قد حاول استيعاب الشارع آنذاك بخطة الإصلاح الشكلية وغير القابلة للتنفيذ، فإنّ دياب على وشك خطة تبدو مشابهة وربما تقود إلى النتائج إيّاها، مع فارق أنّ احتقان الناس في الشارع بات اليوم أعلى بكثير، ما يعني أنّ نوعية الحراك المُنتظر ستكون مختلفة.
في خريف 2019، كان مستوى الجوع مقبولاً. لم يكن الناس قد خسروا وظائفهم ورواتبهم وهذا المقدار من التضخّم الناجم عن انهيار سعر الليرة. وكانوا يعتقدون أنهم عندما ينجحون في إسقاط حكومة الفساد ستنشأ حكومة التكنوقراط الإنقاذية. وجاء دياب يتعهّد لهم بالإصلاح، لكنهم صُدموا بأنّ حكومته محكومة بالقوى السياسية، ولا تتحرك إلا بإيعاز منها.
إذاً، الحراك الشعبي المنتظر سيتَّصِف على الأرجح بالحدّة والتوتر بسبب الجوع ومشاعر الإحباط والقهر، يزيد في ذلك أنّ الناس مقتنعون بأنّ أمام الحكومة الكثير من الحلول والمخارج العادلة، وكلها تبدأ بوقف نَهب الدولة، لكنها لا ترغب أو لا تجرؤ على المسّ بأماكن الهدر الحقيقية.
هي تُماطل في ملف الأموال المنهوبة والمهرّبة، ولم تتخذ خطوة لوقف الهدر والفساد في أي من القطاعات والمرافق والمؤسسات، ويسود اقتناع بأنها ستستقوي على الناس الأوادم ومدّخراتهم، بطريقة أو بأخرى. وهذا الظلم سيجعل الحراك الشعبي أكثر حدّة، وأكثر فاعلية لإسقاط الحكومة.
لذلك، باشرت القوى الداعمة للحكومة بشنّ حملة استباقية ضد الحراك الشعبي. هي تخشى أن يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق سياسياً، وبدأت تستخدم ضده التشهير و»نظرية المؤامرة»، فاتَّهمته مرّة أخرى بالتحرُّك وفق «أجندات» سياسية.
بصريح العبارة، يقول «حزب الله» وحلفاؤه إنّ الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية توحيان إلى الثلاثي الحريري- جعجع- جنبلاط بتحريك الشارع ضد إيران وحلفائها في لبنان.
ولكن، واقعياً، يتجاهل فريق 8 آذار أنه شريك لهذه القوى في تركيبة 2016، وأنّ الانتفاضة الشعبية قامت ضد حكومة الحريري تحديداً وأسقطتها، وتالياً ان الشارع لن يتحرك مجدداً إلا وفق معيار «كلّن يعني كلّن». ويمكن لدياب الاختيار أن يكون «واحداً منهم» أو لا.
فهل يُعدُّ الرجل مشروع إنقاذ مالي - اقتصادي يقوم على إنهاء الفساد، ويضع الإصبع على الجرح الحقيقي، فيفتح الطريق لصندوق النقد الدولي والجهات المانحة في مؤتمر «سيدر» وسواه؟
حتى اليوم هو يقول: «لن أساوم على الإصلاح. وثمة مَن يقول: قد يوحي الرجل بأنه يناور بين الحبال للحفاظ على موقعه، لا أكثر». لكنّ آخرين يجزمون: «أعطوه الوقت. إنه يبدو متردّداً، لكنه في النهاية سيلتزم وعوده».
هنا تصبح مسألة الوقت أساسية. وفي نظر بعض العارفين أنّ دياب الذي زار الرئيس سليم الحص محاولاً الاحتماء تحت عباءته كرجل «نظيف»، ربما يسقط تحت ضغط التردّد والتباطؤ في مرحلة تستدعي القرارات السريعة جداً.
في عمر حكومة الإنقاذ والمهمات الصعبة، لا أحد يصدِّق أنّ عليه الانتظار 100 يوم بلا قرار إصلاحي واحد. وصحيح أنّ وباء «كورونا» شغل الحكومة، لكن شيئاً لا يمنعها من فتح أحد ملفات الفساد، وهي بالمئات، وإحالة بعضها إلى القضاء.
حتى القوى التي يطلب لبنان دعمها تنتظر إشارة من دياب وحكومته. ومراراً توحي سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا أن لا مواقف مسبقة لواشنطن تجاه أحد، ولكن «المطلوب من الحكومة أفعالاً لا أقوالاً». فمتى يقدِّم دياب نماذج من «الأفعال»؟
إنها أسابيع حسّاسة في عمر دياب السياسي. ربما ينتفض «انتحارياً» فيجرِّب حظّه… وحينذاك، سيصطدم بالقوى السياسية وتتمزَّق حكومته من الداخل. ولكن، ربما يفضِّل سياسة التباطؤ. حينذاك، سيكون التردُّد هو المَقتل لدياب وحكومته.