أود ان أتوجّه في مقالي اليوم الى أصحاب المصارف اللبنانية برسالة واضحة وصريحة: «لا بدّ انكم تعرفون انّ الـHaircut هو انتحار لكم وللاقتصاد اللبناني».
وكنت أتمنى لمصلحة الجميع ولمصلحتكم، لو كان هناك رفض علني من قِبلكم في اول مرة تمّ ذكر فيها احتمال الـHaircut، رفض علني وواضح وإجماعي، للحفاظ على الثقة التي كان يتمتع بها القطاع المصرفي اللبناني، والذي بُني عليها هذا القطاع. فالازدهار الذي عاشه القطاع المصرفي في لبنان اساسه الثقة التي اولاها ايّاه المواطنون والمغتربون والمستثمرون، ومع الأسف اهتزت هذه الثقة الآن.
خصوصاً وانتم تعلمون انّ المسّ بالودائع هو مخالفة دستورية واضحة وجدّية ولا تقبل التأويل. فالفقرة (و) من مقدّمة الدستور تنصّ على انّ النظام الاقتصادي حرّ ويكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. وهناك اليوم من يلحظ المادة 15 من الدستور ليبرّر اللجوء الى الـhaircut، ونصّ المادة الحرفي: «الملكية في حمى القانون فلا يجوز ان ينزع عن أحد ملكه الّا لأسباب المنفعة العامة في الاحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً. «انّ توظيف هذه المادة لتبرير الـhaircut خاطئ، فهل الـhaircut هو منفعة عامة، بل العكس برأيي، هو جرّ البلد الى الخراب. ثانياً يتمّ اللجوء الى المادة عندما لا تكون هناك حلول اخرى مثلاً، شق او توسعة طريق وضرورة استملاك اراضٍ ويتمّ التعويض بالمال لصاحبها، والأهم نصّت المادة على التعويض لصاحب الملكية تعويضاً عادلاً، فكيف يكون التعويض العادل في وضع اليد على الودائع والاموال وتعب الناس، ومن يحدّد من اين يجب اخذ المال، وما هي الودائع التي سيتمّ المسّ بها ام لا وعلى اي اساس؟
ولو حصل المسّ بالودائع وهو لن يحصل، الّا اذا اصابنا الجنون وقرّرنا الانتحار الجماعي وأخذ البلد الى انهيار محتّم، فلو حصل ستنهار عليكم الدعاوى في لبنان وخارجه، وستضطرون الى إرجاع كل قرش من الودائع لانّه حكماً سيُعتبر مالاً منهوباً .
فأتمنى عليكم ولو متأخرين، ان تتخذوا موقفاً رافضاً وصارماً وواضحاً، بأنكم ترفضون اي حل يأتي على حساب المودعين، وترفضون اي مسّ بأموال المودعين، لكي نبدأ مسيرة إعادة الثقة بكم وباقتصاد لبنان.
وأكرّر، هذه الثقة هي رأسمالنا، ولا يجوز التفريط بها، وانني أعلم، والأصح ان أقول هنا، أنني أظن، أنّ الامور والحقائق والوقائع مخفية علينا (ما زلنا نفتقر للشفافية الشافية)، أظن انّكم تعرّضتم لضغوط من المصرف المركزي للقيام بأعمال مالية سُمّي بعضها هندسية (جرّصوا الهندسة) تضعكم في وضع حرج.
ولكن كثيرين في لبنان وأنا منهم، حريصون على المحافظة على قطاعكم. فكل الشعب اللبناني المقيم والمغترب، والمستثمرون واصحاب الاعمال، لا يريدونكم ان تتعثروا (من يريد الأذى للقطاع المصرفي اللبناني يريد الأذى للبنان) .
وأنني متأكّد انّه لو حصلنا على قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة المقترح من جهتنا، سنتمكن من إيقاف الهدر والنهب وسنسترجع الثقة بالاقتصاد اللبناني. وفي حال أُعيدت الثقة، خصوصاً للبنانيي الخارج وأخواننا العرب المحبيّن ومحبيّنا الكثر حول العالم، سنتمكن من سداد الدين والاتجاه الى الازدهار مثل سنغافورة .
وأعيد وأكرّر، ان هناك حلولاً كثيرة. فبين الاملاك البحرية واراضي سكك الحديد غير المُستثمرة والمتروكة والعقارات الاخرى المملوكة من الدولة وغير المُستثمرة، سنقطع مرحلة كبرى في حل مشاكلنا، ولا أعني هنا اننا لا نريد سكك حديد، ولكن نريدها حديثة وليس في موقعها الحالي. في لبنان لا يوجد اراضٍ بدون قيمة، كل ما نحتاجه هو شبكة طرقات سليمة وحديثة لتتضاعف اسعار كل الاراضي في لبنان.
هناك حلول أخرى يدرسها كثيرون، واشدّد انّه لا يجوز فرض اي حل على أحد. ففكرة فرض الحلول هي غباء، نحن نريد ان نشجّع الناس على المجيء والاستثمار انطلاقاً من قناعة بمشاريعهم وقيمتها التفاضلية وليس فرض فوائد سلبية وضرائب لإجبار المستثمر على اطلاق مشاريع، هذا يسبّب هروب الودائع والمستثمرين معاً.
أختم بالتشديد مجدّداً على المصارف، بالعمل على استعادة الثقة جدّياً، واصدار مواقف صريحة وواضحة لإعادة العلاقة بينها وبين المودع، الى علاقة ثقة ومصارحة، وليشعر المودع انّ المصرف يدافع عن حقه اولاً وأخيراً. وأكرّر، انّ على الحكومة استعادة الثقة عبر الشفافية لتغيير كل عقلية الحقبات السابقة، لانّ الشفافية هي الاساس في اقناع المواطن بأي خطة اقتصادية او اي اصلاح جديد، فحتى الضريبة الطبيعية والمحقة لن يدفعها المواطن اذا خاف ان تُسرق أو تُهدر .