أُطلق مصطلح "الجائحة" على الوباء الذي يجتاح العالم "كورونا" كتعبير عن قدرته على الإجتياح بعدما تجاوز كونه وباءَ محدودا يضرب بعض الدول، وللتعبير عن خطورته في تصنيفات منظمة الصحة العالمية، الخطورة التي تكمن في تهديد الأنظمة الصحية في العالم كله، ليتحول إلى فيروس قاتل لا يستثني أحدا وبالتالي للتحريض على ذهاب الدول إلى رفع المستويات الصحية والاجتماعية بما يتناسب مع الأزمة، وبما يتناسب مع الواقع الخطر الذي يشهده العالم.
وبالرغم من انكشاف المستويات الضعيفة للتعاطي مع هذه الجائحة ذهبت أغلبية الدول إلى استنفار صحي بالتوازي مع الإستنفار الاجتماعي بعد أن فرض الوباء سطوته فتعطلت سبل الحياة ولامست الأزمة حدود المستزمات المعيشية المطلوبة جراء الإجراءات التي اعتمدت.
ذهب لبنان الرسمي كغيره من الدول إلى جملة إجراءات صحية ما زالت حتى اليوم ضمن الإمكانات وضمن الحدود المعقولة في بلد منهوب من زعمائه وسياسييه وأحزابه، ولكن بقيت الإجراءات الإجتماعية دون المستويات الدنيا المفترضة للتعاطي مع الأزمة المستجدة، بل أظهرت المزيد من مشاهد الإنحلال الأخلاقي والإنساني والسياسي، بل المزيد من مشاهد استغلال المعاناة وتجيير الأزمة لمصالح حزبية وسياسية مهينة، وكان الشعب ضحية كل أنواع الإبتزاز واللامبالاة.
جائحة أخرى في لبنان أخطر من جائحة كورونا نفسه تتكشف فصولها يوما بعد يوم، لتؤكد من جديد وبما لا يقبل الشك أننا أمام مافيات موصوفة بالنهب والسرقة والكذب والابتزاز، بدءً من المؤسسات الرسمية بما فيها من أجهزة وجمعيات قيل أنها تعنى بالشأن الإجتماعي، وبما فيها من بلديات ووزارات ومؤسسات دينية وغير ذلك.
إقرأ أيضًا: تغريدات الحريري _ جنبلاط هل انتهت فترة السماح؟
كشف جائحة قلة الأخلاق في لبنان بمشاهد مروعة عن التلاعب بلوائح المساعدات الرسمية التي تضمنت أسماء الموتى والمغتربين والميسورين والتي استثني منها أصحاب الحق من الفقراء والمعوزين وممن توقفت أعمالهم وأشغالهم بسبب الإجراءات المتخذة، وكشفت جائحة كورونا عن المزيد من السرقة والتزوير والعمل المافياوي لرؤوس السلطة وأزلامها ولصوصها، وكشفت جائحة كورونا جشع الأحزاب والسلطة الميليشياوية التي تمسك بزمام تصنيف اللوائح فغرقت أكثر في جشعها وطائفيتها وأغرقت المواطن اللبناني أكثر بـ "ذل الكراتين" بابتزازه أكثر بلقمة عيشه بفقره وجوعه وكانت المشاهد خير دليل على مستوى الإنحاط الذي وصلنا إليه.
جائحة قلة الأخلاق وهي الأخطر التي يشهدها لبنان اليوم بعدما انكشفت كل شعارات الزيف الكذب والتضليل وظهرت جليا وبوضوح مع استغلال هذه المأساة التي يمر بها لبنان.
ذهب السياسيون إلى حفلة التبرعات السخيفة والمملة وذهبت الدولة بتكليف لصوصها ومؤسساتها توزيع المساعدات وذهبت الأحزاب إلى استغلال الواقع وبقي لبنان كله لبنان الشعب في دائرة الخطر وفي دائرة انعدام المسؤولية والأخلاق.
إننا في لبنان لسنا فقط أمام أزمة اقتصاد ولسنا فقط أمام أزمة مال إننا أمام أزمة أخلاق حقيقية إننا أمام أزمة ثقافية خطيرة وهي ثقافة الإنسان، كل الدول في العالم كانت قاصرة عن مواجهة الوباء طبيا لكنها كانت أكثر إنسانية تجاه شعبها وأكثر مسؤولية تجاه مواطنيها إلا في لبنان فقد كنا أمام أزمة حقيقية أزمة من نوع آخر هي أخطر وأشد فتكا من كورونا.
كراتين الذل، لوائح المساعدات الوهمية، مساعدات الأحزاب المهزلة، هو مشهد لن ينساه اللبنانيون وسيكون نذيرا بالمزيد من الوعي والمعرفة التي أتاحتها تجربة كورونا لكثير من اللبنانيين.