بنظرةٍ عن بُعد، يظنّ المرء، أنّ كتابة نسخة لبنانية لسلسلة «la casa de papel» التلفزيونية، تقتصر على ترجمة نسختها الإسبانية. لكن في الواقع، تصطدم «لبننة» البرنامج بإشكاليات جوهرية تتخطّى الفوارق اللغوية بين الإسبانية واللبنانية، رغم صلة القرابة الأندلسية بين المحكيّتين.
يستند نصّ الكاتب «أليكس بينا» على فلسفة «روبن هودية»، تضع مجموعة هامشية من اللصوص في مصافي الأبطال المناصرين للفقراء، مقابل تجريم الجهة المنهوبة الرسمية، ووَسْمها بتغييب العدالة. تطرح هذه الفلسفة، أمام لبننة البرنامج، عوائق عديدة لناحية محاكاة الواقع عندنا، حيث اعتاد روبن هود الرسمي أن يسرق الفقراء لصالح الأغنياء، ويحظى، رغم ذلك، بتعاطف شعبي واسع.
في النسخة اللبنانية من «دار الورق»، وبخلاف ما أتى عليه النص الأصلي، تسطو عصابة من المسؤولين والزعماء على أحد الصروح الرسمية، مثل شركة الكهرباء أو وزارة الاتصالات أو المرفأ أو غيرها، ثم تنجو من عملية السطو هذه بخفة ودهاء وتنعم بمظهر الأبطال الوطنيين.
يتمحور البرنامج الإسباني أيضاً حول عقل مدبّر واحدٍ فائق الدهاء لعملية النهب، ويتبع كلّ أفراد العصابة تعليماته بثقة ودقّة فائقتين. قد يضطّر كاتب النسخة اللبنانية لإسناد دور رأس العصابة لأكثر من «بروفسور» واحد لمراعاة التوازن الطائفي، ولن يجعل شقيق أيٍّ منهم ثنائي الجنس، مثل «برلين»، لتفادي حدّي مقصّ الرقابة الرسمية الساذجة والدينية المتزمتة والنظرة الشعبية العنصرية. لن يتخذ أفراد العصابة من مدن لبنان أسماء حركية لهم، تفادياً لهتك خصوصيات المناطق، وسيتركها الكاتب، كما هي في النسخة الأصلية، تيمّناً بمدن عالمية. قد يخفي أيضاً ميول «هلسينكي» المثليّة، إذ لن يتسامح الجمهور اللبناني مع مثليٍّ بدور بطل شجاع. إنّها من سخريات القدر أن يتسامح جمهور مع السرقة والقتل والكذب أكثر ممّا يفعل مع حرية الهوية الجنسية. سيُفضّل كاتب النسخة اللبنانية، دون أدنى شك، أن تُقتل «نيروبي» في الموسم الأول لتمردّها وتحرّرها الجنسي، ولإعدام أيّ فرصة لها بأن تصبح أماً عازبة. وللتماشي مع الذكورية المزمنة، قد تُستبدل «راكيل» بضابطٍ أكثر فحولية، وتُحصر مهام «طوكيو» بتطريز الزيّ الموحّد الأحمر وتلوين أقنعة دالي، وستمتنع «مونيكا» حتماً عن ممارسة الجنس مع «أرتورو»، قبل عقد زواج المتعة.
على مقلب آخر أكثر محوريّة، ترتبط الجاذبية الهائلة للبرنامج بحدّة المبارزة بين دهاء «البروفسور» والحرفية العالية لأجهزة الأمن تحت خيمة السلطة. ترتبط جمالية خطة «البروفسور» بقدرته على التنبؤ بحركة الأجهزة الأمنية واستباق خطواتها، استناداً على احترامها المطلق لقواعد الاشتباك بتنفيذ القانون. لن تُثمر رعونة وعشوائية أجهزة الأمن في لبنان مبارزة منهجيّة جذّابة. لن تكتفي النسخة اللبنانية بخيمةٍ واحدةٍ فوق رأس السلطة، وقد يملأ سباق النفوذ بين أجهزتها ساحة المواجهة بغابة من الخيم. قد نرى أيضاً خيماً حزبيةً ملوّنة تتقدّمها على الأرجح خيمة صفراء.
ليست لبننة برنامج تحوّل إلى ثقافة شعبية وعالمية من اختصاص كاتب متمرّس ومخرج وممثلين موهوبين. غداً، حين ينجز اللبنانيون سيناريو 17 تشرين على أرض الواقع، وتنتصب خيمة الثورة أمام مسرح الجريمة لتحاصر عصابة السلطة والنهب، وتتفوّق على دهاء الزعيم «البروفسور»، فتُسقط خطته المُحكمة بسرقة ثروات المواطنين، سيواجه حينها المرتكبون العدالة ويحتفل الثوّار بالنصر على أنغام «Bella Ciao».
حينها، قد يتابع العالم على شبكة «نتفليكس» برنامجاً لبنانياً جديراً بمنافسة سلسلة «la casa de papel»، ومذيّلاً بعبارة: مستوحى من أحداث ثورة 17 تشرين.