لا تكفي مقالات وكتابات بلا حدود للإلمام بما جاء من جمال في كلام البابا خلال احتفالات الفصح للعام 2020، ولا سيما من الجمعة إلى الأحد. ولا يسعنا طبعا يمقالة صغيرة أن نحيط بعمق ما قاله، ولكن لا يسعنا أيضا أن نبقى ساكتين أمام هذا الجمال. جمال قوة الإيمان وصمود الرجاء، وعظمة المحبة.
من درب الصليب، يوم الجمعة المقدس، إلى هتاف "المسيح قام" خلال القداس الفصحي، من ساحة مار بطرس في صمتها الكوني، إلى داخل كاتدرائية مار بطرس في صمتها الإلهي، قيل لنا أن البابا كان يصلي وحيدا. لا لم يكن وحيدا. كان محاطا بعدد قليل جدا من المؤمنين. لم يكن وحيدا أبدا لأنه كان يحمل في قلبه العالم بأسره والمؤمنين بدموع عينيه. أظنها المرة الأولى التي يحيط بها البابا نفسه بهذا الكم من البشر!
من كنيسة الحجر، الخالية من أبنائها تحت ضغط الوباء المسكوني كوفيد 19، نعم، ولكن من قلبه الصخر، العاشق كل إنسان أيضا، بعث البابا للعالم رسالة رجاء ووعدا بانتصار المحبة على الشر في هذا العالم.
وكم نحتاج في مثل هذا الزمن إلى الرجاء وإلى قوة الانتصار. لقد أصبحنا نشعر بالخوف من كل شيء. نخاف من النهار كما من الليل. نخاف من الخروج إلى الطريق. نخاف من الآخر ومن أقرب المقربين، ونخاف من أنفسنا وعلى أنفسنا. خوف يضع الرجاء الذي فينا على المحك والقوة التي عندنا في انهيار!
وها هو البابا يعلن: "المسيح رجائي قد قام من الموت!". يريدنا البابا أن تفكر بعدوى من نوع آخر كجواب على عدوى الفيروس. إنّها "عدوى الرجاء"، التي يمكنها أيضا أن تنتقل بسرعة من إنسان إلى آخر، من قلب إلى قلب ومن فكر إلى فكر.
"في أحلك الساعات، يعطينا نور المسيح الحق في رجاء جديد". وكأني به يقول لا تخافوا، كما لنا الحق بالحياة والحرية أمام كل صعوبة أو عنف أو اضطهاد، كذلك لنا الحق برجاء جديد أمام ما يعترينا من مرض وخوف جديدين لم نعرفهما منذ زمن بعيد.
"وهذا الحق بالرجاء يأتي من الله، وهو لا يخيب. "هو الذي حتى من القبر يخرج حياة"، "يكفي أن نفتح قلبنا بالصلاة ولن يستطيع بعدها أي شيء أن يسرق منا الحب الذي يكنه لنا الرب."
وهذا الرجاء هو البشرى السارة في الظلام. لذا يدعونا صاحب القداسة ألاّ نغلق هذا الرجاء داخل أوانينا المقدسة، إنما فلنكن "مسيحيين يشجعون، ومبشرين بالحياة في زمن الموت."
هذا الرجاء حمله النسوة اللواتي زرن القبر ليطيبن جسد المخلص، بشرى من القبر الفارغ. "بعد سبت الصمت الكبير، كما صمت هذا الزمن، وبعد الحسرة والألم في عيون النسوة، وبعد رؤية الموت بأعينهم والخوف من أن يكون مصيرهم كمصيره، وبعد ساعة الظلام،... يتحول النسوة إلى زارعات لبراعم الأمل، وموقدات للرحمة في ظلام القلوب، ومُعدّات لليوم الذي سيغير التاريخ". ويطرح علينا البابا السؤال: "كم من الناس، في الأيام الحزينة التي نعيشها، يفعلون مثل هؤلاء النساء، يزرعون براعم الأمل بإيماءات صغيرة من الرعاية والمودة والصلاة".
أما أروع مصادر هذا الرجاء، فهو الناهض من الموت، الغالب، ليس المرض فقط، إنما أيضا الموت والشر والخطيئة. "إن القائم من الموت هو المصلوب وليس شخصًا آخرًا. وفي جسده الممجّد يحمل جراحًا دائمة. جراح أصبحت فتحات رجاء. إليه نوجّه نظرنا لكي يشفي جراح البشريّة المعذّبة." وهل اجمل من هذا التعبير وهذا الإحساس الذي يريدنا البابا أن تختبره: "جراح يسوع أصبحت فتحات رجاء." ينهمر منها الرجاء كما الشلالات من أعالي الجبال، وكما المطر من أعالي السماء ليتوزع على كل بني البشر.
بهذا الرجاء يتوجه البابا إلى كل العالم. يرسل رسالة رجاء خاصة إلى الذين تأذوا بشكل مباشر بسبب فيروس الكورونا، حيث "أصبح الفصح بالنسبة لكثيرين فصح وحدة تعاش بين الأحزان والعديد من المصائب التي سببها الوباء، من الآلام الجسدية وصولاً إلى المشاكل الاقتصادية."
ويؤكد أن المرض لا يستطيع أن يحرمنا من العواطف ولا من التعزية التي تنبع من الأسرار ولاسيما من الإفخارستيا وسرّ المصالحة. وحدتنا بالصلاة تؤكد لنا أن يد الله معنا، وصوته "لا تخف"، يتردد على مسامعنا ليعطينا فصح القوّة والرجاء. فالذي يعمل مع المرضى يضحي من أجلهم، ويغامر بحياته. والذي بقي في البيت يتأمل ويصلي،...
ومن منطلق الرجاء يشجّع البابا الجميع على الاتحاد في مواجهة كوفيد 19، لا سيما الذين يتحملون مسؤوليات سياسيّة لكي يجتهدوا بشكل فعال لصالح خير المواطنين العام من أجل حياة كريمة، وكي يخففوا من العقوبات الدولية، ويوقفوا الحروب ويلغوا الديون، وينفقوا على الطب والدواء وليس على التسلح والسلاح،... لأن التحدي يواجه الجميع. وفي ذكره للدول، لا ينسى البابا لبنان داعيا إلى تخفيف القلق والتوترات.
أما ختامي لهذه المقالة، فهو ما يريده البابا أن نتحلى به من شجاعة. "يمد الله يده ويقول لك: شجاعة!". "شجاعة يمكنك الحصول عليها كهدية"، عندما تفتح قلبك بالصلاة ليدخل النور إليه.
"فلندع الرب يسوع ينتصر في قلوبنا وفي حياتنا. فليبدّد يسوع، الذي تغلّب على الموت فاتحاً لنا درب الخلاص الأبدي، ظلمات إنسانيتنا الهشة، وليُدخلنا في يومه الممجَّد الذي لا يعرف الغروب."
الأب عبدو رعد