يعيش اللبنانيون، على وجه العموم أزمة نفسية ومعيشية ومالية واقتصادية غير مسبوقة وبالغة الدقة والخطورة، وأعداد كبيرة من العائلات قاربت حد العوز والمجاعة، وليس في جيوب ما لا يقل عن ٤٥ في المئة من هؤلاء، على ما تقول هيومن رايتز ووتش ثمن ربطة خبز، أو علبة حليب لطفل أو علبة دواء لمريض،وقد أثبتت الحكومة انها لا تملك من القدرات ما يكفي لمواجهة فاجعة كورونا. فيما بعض الإجراءات المصرفية وأزمة الدولار أثمرت إرتفاعاً لا يحتمل في تكاليف المعيشة وانخفاض المداخيل والقدرات الشرائية على طريقتها في عدم المواجهة، رغم أنها أطلقت على نفسها افتراضيًا اسم حكومة مواجهة التحديات، سرّبت حكومة حسان دياب خطتها الاقتصادية التي صاغتها لها شركة لازار، بعد 40 مسودة سابقة، لتجس النبض حولها قبل ان تتبنّاها. فخرجت الخطة بما يشبه القصاص الجماعي للناس وتحميلهم مسؤولية عجز الدولة عبر القضم من ودائعهم وتعبهم ومدخراتهم أو حتى من صناديق تعاضدهم وتعويضاتهم، في ما يشكل محاولة سطو موصوفة تحت اسم هيركات وبذريعة سد العجز في مالية الدولة.
الجميع وضع حكومة مواجهة التحديات أمام مسؤوليات كبيرة. وهي التي وضعت نفسها، منذ نيلها الثقة النيابية الهزيلة في ما يشبه حالة طوارئ مالية واقتصادية وإدارية لتميز نفسها عن سابقاتها. والبلد وشعبه وسائر القاطنين فيه، من لاجئين ونازحين وخدم، في أزمة بالغة التعقيد، والأيام المقبلة ستبرزها أكثر فأكثر، ولسان حال اللبنانيين يقول يا أهل السلطة وأصحاب القرار تحملوا مسؤولياتكم. والوقائع تشهد بأن مقولة الضرورات تبيح المحظورات لا تصرف في لبنان إلاّ على حساب اللبنانيين.
بسرعة تفاعل الڤيروس الكوروني بالڤيروس السياسي، كما وبالڤيروس المعيشي في لبنان وأدى الى المزيد من التعقيدات والتحديات وبعناوين متعددة من بينها التعيينات المالية والتشكيلات القضائية والازمات المعيشية الناجمة من جزء منها عن الإقفال العام، وهو إقفال ضروري لعدم اتساع دائرة الڤيروس.
ما تسرّب عن مسودة برنامج الإنقاذ الإصلاحي للوضعين المالي والاقتصادي الذي تناقشه الحكومة،الحكومة واللبنانيون بمختلف فئاتهم الاجتماعية والسياسية باتوا أمام الحقيقة المُرّة مجدداً، بفعل ما يتضمنه البرنامج من خطوات جوهرها توزيع خسائر التفليسة التي بلغها البلد، نتيجة سلوك الطبقة السياسية فيه، على سائر الطبقات. السؤال الجوهري، أمام الحقيقة المرة، هو هل يمكن خفض سقف الخسائر على اللبنانيين أم أن لا مناص من أن يتم الاقتطاع من ودائعهم، التي وإن تقلصت ستبقى مجمدة لسنوات؟ في وقت تكرر مسودة البرنامج الإنقاذي في مقدمتها وخاتمتها بأن لا حل إلا بدعم المجتمع الدولي والمجتمع العربي، فهي تجيب بذلك على السؤال الأساس: هل من سبيل للاستعانة بالخارج من أجل معالجات طويلة الأمد على اللبنانيين أن يتأقلموا معها في زمن الضيق، غير صندوق النقد الدولي؟ .
إقرأ أيضًا: حكومة مواجهة التحديات انجزت 57% من الإصلاحات فهل من يصدق؟
أن هذه الحكومة التي ما إن تألفت أظهرت أنها حكومة اللون الواحد وتحت الوصاية السياسية لقوى الممانعة وحساباتها المختلفة. وما إن ظهر وباء كورونا، انقضت هذه الحكومة سريعاً على ما حققته الانتفاضة الشعبية من تعرية للطبقة السياسية وللقوى السياسية والطائفية الحاكمة لتتخلص منها بالدرجة الأولى. وفي مكافحتها للوباء الفتاك في لبنان وهو مسؤولية عامة أيضاً تعيد هذه الحكومة التي قدمها رئيسها باسم الانتفاضة، تعويم النظام وقواه الذي أوصل البلد الى الانهيار المالي، لكنها في الوقت نفسه عاجزة عن الانقاذ إلا بمزيد من إفقار اللبنانيين وهم اليوم في الحجر بفعل المرض القاتل.
لا إمكانية لولادة لبنان جديد في ظل هذه الحكومة، حتى لو قال رئيسها حسان دياب عن إنجاز الإصلاح بنسبة 57 في المئة، فالقرار ليس له، وهذا كان واضحاً في كل مناقشات الحكومة ومشاريعها من التعيينات الى الكهرباء والاتصالات، ثم في خطة الاصلاح المالي التي ستكون على حساب المودعين.
الاهتمامات الصحّية بتطورات فيروس كورونا لم تحجب المواقف وردود الفعل المستمرة على الخطة المقترحة للحكومة التي تعني مدّ اليد إلى أموال اللبنانيين الذين تزيد ودائعهم عن 100 ألف دولار. إنها حروب باردة على أنقاض الوطن المهدد بالانهيار وقد بادر البعض الى إبداء استغرابه من مماطلة الحكومة في معالجة أوضاع الناس وتأمين احتياجاتهم في ظل واقع معيشي صعب يمر عليهم مع تنفيذ قرار التعبئة العامة داعين الحكومة الى تقديم إجابات واضحة وشفافة ومصارحة الشعب اللبناني بالحقيقة، خصوصاً وان العاصفة وضعت الحكومة امام خياري النجاح او النجاح.
قد لا يكون مبالغة، بنظر العديد من المتابعين عن قرب ما يتردد على ألسنة البعض من ان الفيروس الصحي ارحم على اللبنانيين من العديد من الإجراءات والمواقف، وها هي تجربة التعيينات المالية والتشكيلات القضائية تشكل نموذجاً ساطعاً ومؤشراً واضحاً الى نوايا التعقيد والتصعيد على خلفية تقاسم الحصص مع الكم الهائل من الضغوط السياسية وغير السياسية، من غير فريق وغير مصدر، والشعب اللبناني يدفع الثمن من حياته وراحة باله وأمنه واستقراره ولقمة عيشه، وبناءً على ما تقدم فأن الثورة الشعبية مدعوة اكثر من أي وقت مضى للتصدي لعقلية السطو الممنهج التي إن كتب لها النجاح ستدمر مستقبل الاجيال القادمة .