في الوقائع، اكتفى البعض من هؤلاء بمبادرات فردية خجولة هي برأي الغيورين على «عافية» عاصمة الشمال، غير كافية ولا تليق بحجم الكارثة الكبرى التي حلّت بالمدينة وأبنائها.
يتحسّر العارفون من أبناء المدينة على عهد رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي، ويتمنّون لو شَكّل نواب المدينة لجنة تنسيق شمالية شبيهة بتلك التي شكلها الرئيس رشيد كرامي في الثمانينات لمواجهة التحديات. والعارفون من أبناء المدينة يؤكدون انّ الفرصة الذهبية المثلى لتثبيت هوية زعماء المدينة الحقيقيين هي اليوم، «فالكرسي فارغة» وفق تعبير شيخ من فقهاء مدينة العلم والعلماء. فالوباء المستجد هو مسألة حياة أو موت ولن يتكرّر، وهو اليوم بمثابة «صندوقة الاقتراع الدائمة» التي سيحفظها التاريخ.
الجمعيات المحلية الاجتماعية والمدنية تشير الى خطر تظاهرات الجوع مع ما يرافقها من أعمال شغب في الشوارع، كتلك التي شهدناها منذ اسبوع او في السجون الشمالية المكتظّة المطالِبة بإقرار العفو العام في ظل انتشار الوباء، والتي تشكّل بحسب تلك الجمعيات قنابل موقوتة، وتعتبر أنّ هذه الظواهر ستقلب مقاييس حسابات الحكومة وخططها رأساً على عقب. أمّا بالنسبة «لتهليل» البعض للحالات المنخفضة في عدد الإصابات في المدينة وضواحيها، فتلفت جهات صحية متخصّصة الى انّ سببها يعود في الدرجة الاولى لعدم قدرة المواطنين المادية على إجراء الفحوصات المخبرية للتيقّن أصلاً من الإصابة وأيضاً بسبب جهل البعض وعدم اكتراثه لأهمية الامر بسبب أولويات معيشية لديه، لافتة الى انّه لو خضع جميع المواطنين للفحوصات المخبرية لَشهد لبنان بالتأكيد ارقاماً مضاعفة.
الشعّار يتريّث قبل أن يطلق النداء
وفي السياق، اطلق مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار، عبر «الجمهورية»، نداء الى جميع المعنيين في المدينة للقيام بواجباتهم «لأنّ طرابلس أمانة في عنق كل المسؤولين السياسيين الدينيين وقادة المجتمع المدني»، مطالباً هؤلاء بالمبادرة من باب الواجب الوطني والانساني.
وفي حديث مطوّل مع «الجمهورية»، رأى الشعّار انّ الشكوى مُرّة والكارثة كبيرة وليس هناك قدرة للعطاء من جميع الناس لأنّ طلبات الناس كثيرة، إلا أنه في المقابل يرى انّ المدينة لا تستغني عن اي شريحة من ابنائها ولا عن مسؤوليها، والحل هو ان يستجيب كل المسؤولين الى النداء والمبادرة الى القيام بعملهم وواجباتهم، كاشفاً عن أنه وُعِد باجتماع يضمّ جميع النواب من دون استثناء لكنه لا يعلم حتى الساعة معوقاته، ومشيراً الى أنّ الرئيس نجيب ميقاتي هو من سيكون الداعي لهذا الاجتماع النيابي، إلّا انه، اي المفتي، لا يعلم حتى الساعة اين اصبحت الفكرة ومتى ستنتقل الى حيّز التنفيذ.
وكشف الشعّار عن توجّه شخصي للقيام بمبادرة في حال لم يتم هذا الاجتماع خلال أيام، وإطلاق نداء يدعو فيه جميع نواب الشمال والوزراء السابقين والحاليين الى دار الفتوى للاجتماع وللقيام بواجباتهم. كما كشف عن اتصالات أجراها ببعض التجار الميسورين في المدينة لتشكيل لجنة إغاثة على مستوى المدينة وترتيب لقاءات من اجل تشكيل لجان تنسيقية في المناطق، راجياً عدم إدراج اسم الرئيس رشيد كرامي مع أيّ رعيل من السياسيين الحاليين لأنّ امثال الرؤساء: رشيد كرامي رفيق الحريري ورياض الصلح، أسماء لا تتكرّر كل مئة عام وهي نماذج نادرة.
الشعّار: لا أؤيّد الاستقالة
وأعلن انه لا يؤيّد استقالة النواب، معتبراً أنها ليست لمصلحة المدينة في الوقت الراهن لأنها ستحدث فراغاً كبيراً، فيما حلّ المشكلة يكون من خلال توجيه نداء لهولاء لِحثّهم على المبادرة وتحمّل مسؤولياتهم السياسية والاجتماعية، خصوصاً انّ الدولة اتخذت قراراً بمنح مبلغ 400 الف ليرة لكل عائلة لا تملك دخلاً ثابتاً، مُناشداً نواب المدينة والمعنيين تسريع آلية التنفيذ مع وزارة الشؤون او الجهات المختصة.
من جهة أخرى، أشار الشعّار الى النداء الذي أطلقه الوزير السابق رشيد درباس والذي لاقى تفاعلاً شعبياً، مشيداً بشخصية الوزير السابق ووطنيته، واصفاً إيّاه بأنه «ذو عقل رشيد ومفكّر وضميره حيّ»، لافتاً الى انّ «نداء درباس لاستقالة النواب جاء برأيه، بسبب «الحَرقة» التي يشعر بها الوزير، وهي ربما لِحثّهم على التحرّك وعدم الاستقالة من العمل»، مكرراً انه «لا يؤيد أيّ استقالة او إقالة للنواب لأنها ستخلق مشكلة مزدوجة».
الحل: الدولة أولاً و»الصدقات»
وعلّق الشعّار على دعوة البعض الى فتح صناديق الاوقاف للفقراء والمساكين، فأوضح من خلال «الجمهورية» انّ الصناديق تلك ليست مخصّصة للفقراء والمحتاجين ولها أصول قانونية، موضحاً بالحرف: «نحن لدينا «أوقاف ذريّة» و»أوقاف خيرية»، فيما دار الفتوى ودوائر الافتاء الاسلامية مسؤولة عن الاوقاف الخيرية، وهذه الأوقاف هي خاصة للانفاق على المساجد والتعليم الديني وللمؤذنين والجهاز الديني من مشايخ وعلماء، ولذلك لا استطيع مثلاً دفع تكلفة عملية جراحية لأي مواطن من مال الاوقاف لأنّ القانون لا يسمح لي بذلك»، لافتاً من جهة اخرى الى انّ الحالة الراهنة تستوجِب فعل الزكاة وتستدعي الصدقات وهي مفتوحة وهي أيضاً فريضة، كاشفاً «أنّ المسلمين، ولو أخرجَ 20 % منهم زكاة اموالهم، فإنها لن تكفي طرابلس فقط بل الجوار ايضاً من مسلمين ومسيحيين».
واعتبر الشعّار أنّ مواجهة تداعيات الوباء المستجد، مثل الطاعون والتعليم، يجب ان يغطّيه فِعلا «الصدقات» و»الزكاة»، مذكّراً بأنّ المسؤولية الاساسية تقع في النهاية على الدولة وهي وحدها الملجأ الاساس لكل ابناء الوطن، ووحدها المسؤولة عن عدم التزام المواطنين ولجوئهم الى التظاهرات، إذ لا يمكن تحميل المسؤولية الكبرى للوزراء والنواب ورؤساء البلديات او لفعاليات المناطق.
فالمجاعة والفقر برأي الشعّار هي من مسؤولية الدولة، ولكن واقع الحال لا يمنع من مناشدة جميع أبناء الوطن، بخاصة الميسورين منهم، للتحَسّس بوَجع إخوانهم في مواسم الاعياد وفي الظروف الصحية الإستثنائية.
لاستلحاق «هَيبة» طرابس
المشكلة الأهم برأي الشعّار هي انّ الناس شردت وابتعدت عن الدين، ولو تقرّبَ الانسان من القيَم السماوية فهي وحدها التي ستنمّي شعوره بالآخر. وعن قول البعض انّ هيبة السياسيين مفقودة في طرابلس، يختم المفتي: «انّ المطلوب اليوم هو المحافظة على ما تبقّى من هيبة، فإذا ما ذهب 60 % منها فيجب العمل للحفاظ على الـ40 % وتنميتها ودعوة قيادات المدينة لرفع مستوى الهيبة والحضور».