توقّفت عجلة الاقتصاد كلياً عن العمل في الشهر الثالث في عام الكوارث 2020، مع إعلان التعبئة العامة لمواجهة جائحة كورونا، الذي سبقته ورافقته أحداث سياسية كشفت عورة سياسات لبنان المالية والاقتصادية المنتهجة منذ الحرب الأهلية إلى يومنا هذا، ما جعل حياة اللبنانيين عرضة لتقلبات العملة الخضراء التي لم يعد لأحد سطوة على سعر صرفها الرسمي مقابل الليرة.
ما يعنينا اليوم، هو المواطن الذي استيقظ ذات صباح على تغيّرات سريعة شلّت قدرته على سحب دولاراته أو تحويلها إلى الخارج، فالمصارف تركت الكثير من اللبنانيين خارج بلدهم، وبخاصة الطلاب، وحدهم بدون معيل. كذلك فرضت قيوداً على التحويلات المالية إلى لبنان، فيما فقد المغتربون ما تبقى من ثقة بالنظام المصرفي.
كارثة فقدان وارتفاع قيمة الدولار أمام الليرة عرقلت قدرة لبنان ـ غير المنتج - على الاستيراد بسبب فروقات سعر الصرف، ومع انتشار وباء فيروس كورونا، اضطرت المصارف إلى إغلاق عدد كبير من فروعها، واتخذت قرارا متقدما بوقف خدمة سحب الدولار (التي لم تكن متوفرة أصلا بسهولة منذ بداية الربع الأخير من العام 2019).
في ظل هذا الواقع، تبدو الأسئلة الأكثر إلحاحا هي: كيف يمكن للكثير من العائلات التي تعتمد على أموال أبنائها من المغتربين الحصول عليها الآن؟ من هي الجهة الرسمية المسؤولة عن ضمان استمرارية دخول العملة الخضراء إلى لبنان؟
بتاريخ 30 كانون الأول 2019، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط 537 الذي طلب بموجبه من شركات تحويل الأموال تسديد الحوالات الواردة من الخارج بالدولار الأميركي حصراً بعد أن كان قد طلب في تعميم سابق يحمل الرقم 514، بأن تسدّد قيمة التحاويل النقدية الإلكترونية الواردة إليها من الخارج، بالليرة اللبنانية حصراً.
وسط هذه المشهدية القاتمة وفي ظل غياب أي أفق لحل قريب، تسجّل شركة OMT خرقاً إيجابياً بإعلان رئيس مجلس إدارتها توفيق معوّض، إعادة تفعيل خدمة Intra لتحويل الأموال داخل لبنان بالدولار الأميركي والتي بدأت بها الشركة منذ نحو أسبوع، بالإضافة إلى تحويل الأموال بالليرة اللبنانية؛
كما أكّد معوّض في حديث مع "لبنان 24" التزام OMT أيضاً بتسديد الحوالات الواردة من الخارج بالدولار الأميركي حصراً.
وهكذا باتت OMT الجهة الرسمية الوحيدة التي تُدخل الدولار إلى بلد يرزح اقتصاده تحت وطأة انخفاض حجم العملات الأجنبية فيه، المحتكرة من قبل جهات مختلفة.
معوّض كشف أن نحو 5 إلى 6 آلاف شخص يقومون بتحويل ما مجموعه 4 إلى 5 مليون دولار عبر الشركة يومياً بمعدّل 600 دولار، وتقوم الشركة بإدخال ما يقارب المليار دولار إلى لبنان سنوياً "وهذا الرقم من المتوقع أن يرتفع قريباً" رغم العقبات التي نشأت جراء قرارات منع التجوّل في الخارج ما أعاق قدرة بعض المغتربين على تأمين وتحويل الأموال إلى ذويهم في لبنان.
من هنا، يشير معوّض إلى أهمية عمل OMT، إذ أن التحاويل المالية الآتية بالدولار من الخارج تتم من شخص إلى آخر ويتم صرفها نقداً، وتدخل الدورة الاقتصادية مباشرة. بمعنى آخر: ما يتم استلامه من أموال في لبنان يصرف للاستهلاك الشخصي وخصوصاً في هذه المرحلة ما يعطي دفعاً ولو نسبياً للدورة الاقتصادية المنكمشة.
وبالعودة إلى إعادة تفعيل خدمة تحويل الأموال بالدولار إلى جانب الليرة بين المناطق اللبنانية، يعلل رئيس مجلس الإدارة خطوة الشركة هذه بسبب تكاثر طلبات المواطنين الراغبين بتحويل ما يملكونه من دولار إلى أطراف أخرى داخل لبنان، إضافة إلى وجود حاجة ملحة لدى بعض الشركات التي تدفع لموظفيها بالدولار بالدفع عبر الـ OMT لتعذر إمكانية إجراء هذه العملية عبر المصارف في ظل الإجراءات الصارمة التي تتخذها.
لكن شركة تحويل الأموال هذه تواجه بعض العقبات، أهمها كلفة شحن الأموال إلى لبنان، من جهة أخرى فرض تعذّر سحب الأموال من المصارف، على الشركة إنشاء 60 مركز (Cash Center) بمعدل مركزين لكل قضاء منذ أواخر العام الماضي، لتوزيع الأموال بشكل يومي على 1200 وكيل لـ OMT في لبنان، مع ما يتضمنه ذلك من كلفة إضافية على الشركة وما واكب ذلك من مشاكل عمدت الشركة إلى معالجتها تباعاً.
يشير رئيس مجلس إدارة OMT كذلك إلى مضمون لقائه مع وزير الداخلية محمد فهمي في بداية إجراءات التعبئة العامة، حيث وعد معوّض بضبط ساعات عمل وكلاء الشركة، بحيث تغلق المراكز بحدود الساعة الواحدة ظهراً، "كما طلبنا منهم اتخاذ الاجراءات اللازمة عبر إقامة عازل زجاجي مع الزبائن ومنع التجمّع داخل المراكز للمساهمة في الحد من انتشار فيروس كورونا. علينا اتخاذ هذه الإجراءات لأنه لا يمكننا وقف عملنا في وقت يحتاجنا فيه الناس أكثر من أي وقت آخر"، يقول معوّض.
في الختام أكّد معوّض أن ما يهمنا في الشركة هو أن نخرج من الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد إلى جانب اللبنانيين بحيث نؤكّد وقوفنا معهم لتسيير شؤون حياتهم اليومية، مشيراً إلى أنه لا مشكلة بأن تتكبد الشركة كلفة معينة للحفاظ على سيرورتها فيما يعاني المواطنون من وضع اقتصادي ومعيشي صعب.