في اجتماع «الدعم»، شرح رئيسا الجمهورية والحكومة حاجات لبنان الطارئة، وعرضا بعض الأرقام والوقائع المالية والمصرفية. وذكَّرا مجدداً بأكلاف استضافة النازحين، وطبعاً، قَدَّما تطمينات إلى أنّ خطة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية «على الطريق»، وأنّ كثيراً من بنودها قيد الإقرار في المجلس النيابي.
ولكن، كل هذا لم يُضِف جديداً إلى الشروحات والوعود السابقة. فقط، الجديد هو مطالبة السفراء بأن يقتنعوا بالتبرير الذي يقدّمونه لتوقُّف لبنان عن سداد ديونه. والجديد أيضاً هو الاستعانة بفيروس «كورونا» لتبرير طلب «النجدة».
خلاصة الموقف الرسمي: بما أنّ لبنان يلقى التعاطف في مجال المساعدات الإنسانية ضد «الكورونا»، وهو يتلقّى دعم البنك الدولي ومؤسسات أخرى، فلماذا لا يتمّ فكّ الحصارٍ عنه أيضاً في مجال المساعدات المالية، أي فكّ الحصار السياسي- الاقتصادي- المالي؟ فلبنان عاجزٌ عن تحمُّل عواقب «الكورونا»، فيما هو يترنَّح أساساً تحت أعباء كثيرة، ومنها النازحون.
يعلِّق قطب معارض على هذا المشهد بالقول: «هذه المرّة يحاولون اللعب على العامل الإنساني لتحريك المساعدات من «سيدر» وغيره، بعدما فشلت محاولاتهم منذ سنوات لاستدرار المال من دون إصلاح. فعلاً، هذه التركيبة فاشلة في كل شيء، لكنها تمتلك الموهبة اللازمة في مجال الاستعطاف والاستعطاء». ويضيف: «ربما تكون «الكورونا» أكبر خدمة تلقّاها أهل السلطة والمال في لبنان للخروج من مأزقهم:
1- للتخلّص من أزماتهم الخانقة في القطاع المصرفي، على حساب الناس وودائعهم، وفيما إجراءات التعبئة والمخاوف الوبائية تسجنهم داخل منازلهم وتحجب صراخ احتجاجهم، حتى إشعار آخر.
2- لتبرير عدم الإستجابة لمطالب الإصلاح. ولذلك، يتجرّأ المسؤولون على إطلاق الوعود الإصلاحية، وكأنّهم يقولون: لولا «الكورونا» لأنجزنا الإصلاحات. لكن الجميع يعرف أنّ «فيروس الفساد» تحميه طبقة الفساد المستمرة قبل «الكورونا» وبعدها.
السؤال هو: هل سيصدِّق السفراء وعود لبنان الجديدة؟ وهل سينقذون تركيبة الفساد اللبنانية بإعطائها المساعدات التي تطلبها، بذريعة «الكورونا»، من دون أن تبادر إلى أي إصلاح حقيقي يضمن وقف المسار الإنحداري؟
المطلعون يقولون: «إنّ سفراء مجموعة الدعم والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغالبية المؤسسات المالية والجهات المانحة، يملكون معلومات عن الوضع المالي والنقدي والاقتصادي في لبنان، تفوق تلك الموضوعة بين أيدي المسؤولين اللبنانيين، حتى الكبار منهم، بشموليتها ودقَّتها. وهؤلاء كانوا قد أبلغوا الى الحكومة اللبنانية بها، فور وصولها إلى السراي الحكومي. وحذَّروا من أنّ لبنان سيواجه مخاطر حقيقية إذا لم يتمّ تدارك هذا الوضع والذهاب بجدّية وجرأة إلى الإصلاحات المطلوبة. وقد سارع دياب ومعظم وزرائه إلى استيضاح الحقائق من مصادرها، وتحديداً مصرف لبنان وجمعية المصارف، ومن وزارة المال أيضاً، وأصابتهم الدهشة عندما تبلَّغوا أنّ القلق أكبر بكثير مما كان يظنّ البعض».
ويقول المطلعون، إنّ دياب يدرك أساساً أنّه جاء إلى السراي الحكومي في شكل مغامرة قد تنجح أو تنتهي بالفشل، لكنه في أي حال لن يخسر شيئاً. ولذلك، هو يتعاطى بكثير من الليونة مع كل هذا الغموض في الأرقام والمعطيات، ويعرف أنّ اللغز سوف ينكشف تلقائياً لأنّ أحداً لم يعد قادراً على إخفاء شيء بعد انفجار الأزمة. وكذلك، هو لا يجرؤ على انتهاج خطوات الإصلاح المطلوبة، لأنّ القوى السياسية التي دعمت حكومته لا يناسبها ذلك. ولذلك هو يكتفي بإطلاق الوعود الإصلاحية، تاركاً لهذا الملف أن يتحرّك في الاتجاه الذي تفرضه التطورات.
وفي أي حال، هو يحافظ على شعرة بينه وبين الجميع. ولذلك، استجاب للتمنيات الأميركية في مسألة التعيينات المالية والإجراءات المصرفية. كما جدّد في اجتماع بعبدا تأييد انتفاضة 17 تشرين الأول، والوعد باستعادة الأموال المنهوبة. وهذا الموقف يتماهى تماماً مع الموقف المعلن والواضح لسفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا، فور وصولها إلى بيروت.
يقول الرئيس ميشال عون في كلمته أمام السفراء: «نحاول معالجة «سياسة مالية خاطئة» عمرها 30 عاماً». ويبدو هذا الكلام وكأنّه محاولة لتبرير التأخُّر في الإصلاح وطلب «الأسباب التخفيفية».
ولكن، على الأرجح، العهد والحكومة «يستميتان» للدخول في أي صيغة ترضي المجتمع الدولي، وعلى الأرجح من خلال صندوق النقد الدولي، لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه في الأشهر القليلة المقبلة، وفق ما تؤشّر كل الأرقام والمعطيات.
فهل الجهات المانحة التي ترفض مساعدة لبنان إلّا بالإصلاح، ستُبدِّل رأيها وتُفرِج عن مساعدات «سيدر»، تحت وطأة «الكورونا»، بداعي الحفاظ على «صمود» لبنان واستقراره؟ وقبل ذلك، هل هذه الجهات ما زالت ترصد المساعدات للبنان أساساً، أم باتت تحتاج إليها في الحرب الطويلة ضد الوباء؟