على وقع الحرب الكونية في مواجهة تفشي الـ كورونا، والتي حصدت ما يقارب المليون إصابة على امتداد الكرة الارضية، لم يكن لبنان بمنأى عنها، فقد حطت التعيينات المصرفية والمالية مادة خلافية على طاولة جلسة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا، حيث لم يتمكن المجلس بمن حضر، من ابتكار، او الاتفاق على التعيينات فقرر رئيس الحكومة سحب هذا البند الذي قد يفجر مجلس الوزراء. علماً أن هناك معلومات حول ما يدور في الكواليس عن كلام مفاده أن التعيينات المالية والمصرفية لا يمكن أن تمر من دون ضوء أخضر أميركي. وهذا سبب أساسي لتأجيلها.
ومع ارتفاع منسوب التحديات التي تواجه مجلس الوزراء الحالي بدءا من كورونا وصولا للأزمة المالية التي تنهش بصمت ما تبقى من مقومات هذا البلد. فاذا كانت حكومات دول عظمى تشعر بالعجز امام الازمة الصحية العالمية التي تهدد كياناتها، فكيف بالحري حكومة لبنان التي تختبر خطواتها الاولى على طريق يشبه طرقات هذا البلد حيث المطبات والحفر قادرة ان تزعزع أكثر الكيانات تماسكا. لقد كشف ما حدث في مجلس الوزراء العورة التي تستّرت عليها حكومة التنكوقراط، بالإيحاء بأنها قادرة على الاستقلال في قراراتها. في الجلسة الأخيرة تبيّن أن صفة التكنوقراط ليست سوى قشرة حكومة، يديرها في الواقع الأفرقاء الذين صنعوها. اشتباك هؤلاء خارج مجلس الوزراء انتقل إلى الداخل، وأظهر مقدرة هؤلاء العرّابين على أنهم هم الذين يقررون ما يقتضي أن تتخذه الحكومة من قرارات أو يفجرونها.
ما حصل الخميس أن دياب تفادى انفجارها عندما سحب سلفاً بند التعيينات، عارفاً تماماً بأن فرنجية ليس وحده في المعركة التي كان يخوضها ضد باسيل علناً، وضد رئيس الجمهورية ضمناً، ويستفيد منها بالضرورة المنخرطون في هذه المواجهة من وراء فرنجية. ثمة مستفيدون آخرون من عرقلة التعيينات، غير معنيين بالحكومة ومن خارجها، عوّلوا على الواسطة لإحراز المكسب التأجيل.
إقرأ أيضًا: الحكومة مصابة بالتردّد وأسيرة أولياء الامر
انطلاقاً من ذلك، يمكن فهم المعارك السياسية التي تواجهها، لا سيما في الأيام الماضية على خلفية عدد من الملفات العالقة حيث سعت بعض قوى المعارضة، إلى الحفاظ على حصّتها في التركيبة، مدعومة من بعض القوى الفاعلة في الحكومة، في المقابل كانت هذه الأخيرة تسعى إلى تحسين حصّتها، على قاعدة أنّ هذه التعيينات لا تختلف في أسلوبها عن كل ما كان يحصل في السنوات السابقة، الأمر الذي عبر عنه بشكل فاضح رئيس تيار المردة ، عبر المطالبة بالحصول على موقعين منها أو الانسحاب من الحكومة.
تهديد فرنجية، الذي يأتي في سياق لعبة الابتزاز التي تمارس بين أركان الفريق الواحد، يضعها الكثيرون في إطار الصراع مع جبران باسيل، أيّ الاستمرار في معركة رئاسة الجمهورية المقبلة التي كانت قد فتحت منذ اليوم الأول لانتخاب الرئيس ميشال عون.
في ظل هذا الواقع، المتضرّر الأول ممّا يحصل هو الحكومة نفسها، التي تخسر يوماً بعد آخر من رصيد الاستقلاليّة الذي كانت ترفعه شعاراً لها، بالرغم من أن البعض يفضّل وضع رئيس الحكومة في إطار الشخصيّة التي تسعى إلى مواجهة القوى السياسية الطامعة في الحصول على المزيد من المكاسب، إلا أن دياب، في ظل هذه المعادلة، لن يخسر شيئاً مهما كان مصير حكومته التي تستفيد من وباء كورونا لتجنب التحركات الشعبية المعارضة لها، حيث أنّ الخسارة الكبرى ستقع على عاتق القوى السّياسية الداعمة لها.
في هذا السياق، يبدو أن السياسيين لم يتعلموا من كل تجارب الماضي، بالاصرار على المحاصصة، التي يسعى إليها الجميع دون استثناء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكأن لا أزمة ماليّة واقتصاديّة في البلاد ولا هناك فيروس قاتل يهدد العالم، متجاهلة أن الآلاف خرجوا إلى الشوارع قبل أشهر قليلة لرفض هذا النهج الكارثي، إلا أنّ الأخطر هو شعور البعض، هو البناء على رهانات إقليميّة ودوليّة، بأن موعد العودة إلى التركيبة السابقة قد حان.
في إطار ما تقدم، قد يكون كورونا هو المنقذ الوحيد لحكومة دياب حتى الآن، الأمر الذي كان من المفترض أن يؤمّن لها بعض الهدوء في العمل رغم الصعوبات التي فرضها، لكن الأكيد أن الغيارى، في الأكثرية والمعارضة، لم يتعلموا من تجارب الماضي، ويتمنون أن تستمر هذه الأزمة طويلاً كي يستعيدوا زمام المبادرة، فهل سيأتي اليوم الذي يتعلم فيه الجميع ضرورة الاستفادة والتعلم من تجارب الماضي أم أن المسألة مرتبطة بأن عقلنا هو ما زال حتى اليوم عقلاً أسطوريا وليس عقلاً نقدياً وهنا تكمن القضية .