يكاد المحللون والمراقبون أن يُجمعوا على أن فايروس كورونا العابر إلى العراق من الجارة إيران، والذي ساعدت على انتشاره جهالةُ رجال الدين العراقيين والإيرانيين الذين يتوهّمون بأن صَلاتهم، وحدها، كافية لمنعه من إصابة أحد أتباعهم بسوء، هو الوحيد الذي أسعد أحزاب السلطة، وجعلها تظن بأنه ساعدها على إعادة المنتفضين إلى منازلهم، نهائيا وبلا رجوع.
أما نحن، ومن خلال فهم التحول العميق الذي حدث في مزاج الشعب العراقي، فنؤمن، بيقين، بأنها ليست سوى استراحة محارب مؤقتة، ووقفة قصيرة، وستغص بهم شوارع الوطن وساحاته، فور انتهاء خطر فايروس الكورونا المميت.
فالذي ينبغي التذكير به هنا هو أن هذه الجائحة أربكت الحكومة العراقية، وأضافت إلى فشلها فشلا، وإلى تفككها مزيدا من التفكك، وجعلت إسقاطها أسهل وأسرع، خصوصا وأن كورونا نفسَها قد عصفت بالمحتل الإيراني في عقر داره، وألقت مزيدا من الضعف والفشل والهزال على ضعفه وفشله وهزاله، وجعلته أكثر عجزا عن نجدة ذيوله من العراقيين، وعن تخليصهم من ساعة الحساب العسير.
ويتكهن عراقيون كثيرون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأنْ لا خلاص للعراق من إيران وذيولها إلا بثلاثة احتمالات.
الأول بغزوٍ أميركي عسكري جديد تقوم خلاله الجيوش الأميركية باحتلال المنطقة الخضراء، وإلقاء القبض على الرؤوس الفاسدة الشريرة الكبيرة التي تسببت في الخراب القديم، وما زالت تتسبب في الخراب الجديد، دون توقف.
ولكنَّ هذا كان، ثم أصبح أقرب إلى المستحيل، خصوصا في الظروف المستجدة الصعبة التي أوقعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته في “حيص بيص”، وفي حالة اختلال وانشغال بمقاتلة كورونا، وتفادي ما قد يترتب عليها من مخاطر كبيرة في موسم الانتخابات الجديدة القادمة.
ويتكهن محللون سياسيون عراقيون من ذوي الأحلام الوردية المجنحة بأن إفراغ السفارة الأميركية في بغداد من أهم وأغلب موظفيها، وقيام الجيوش الأميركية بسحب قواتها من قواعد غير حيوية، وإبقاءها على قاعدتي عين الأسد وحرير في أربيل، إنما هو مخطط يرادُ منه إطلاق أيديها، تمهيدا لشن ضربات عسكرية تستهدف قادة الميليشيات الإيرانية في العراق.
وحتى لو كان هذا واردا فإنه لن يؤدي إلى تخليص الشعب العراقي من الاحتلال الإيراني وذيوله. فدون حرب شوارع تخوضها الولايات المتحدة ووكلاؤها العراقيون مع الميليشيات، بإسناد حقيقي وكامل من البر والبحر والجو، لا يمكن الوصول إلى نتيجة، بأي حال.
وهذا ليس مستبعدا فقط، بل لا يخطر للولايات المتحدة على بال.
أما الاحتمال الثاني فهو أن يصحو ضمير المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وضمائر أعوانه الكبار العسكريين والمدنيين، ويصبحوا أوادم مسالمين متواضعين غير عنصريين وغير عدوانيين، ومؤمنين بالجيرة الحسنة مع العراق، ومتخَلّين عن مواصلة الإثم والعدوان، وتاركين وكلاءه لشعبهم ليحاسبهم كما يشاء.
وهذا من رابع المستحيلات، لسبب بسيط هو أن أطماعهم في العراق ليست مالية، ولا حدودية، ولا عقائدية، ولا مذهبية، بل هي طبيعة متأصلة فيهم، مثلما كانت متأصلة في إمامهم الخميني، وفي سلفه الشاه.
وليس هنا من ضرورة لتكرار القول بأن العلاقة بين العراق وإيران، ومنذ قيام الدولة العراقية الحديثة في العام 1921، من عهد الوالد رضا بهلوي الذي حكم من عام 1925 ولغاية عام 1941، وفي عهد ولده، محمد رضا بهلوي، حتى سقوطه في العام 1979، وفي زمن الشاه الجديد آية الله الخميني، لم تكن سمنا على عسل، أبدا، كما يخبرنا التاريخ الأسود الطويل.
وفي شهادة أدلى بها عبدالملك الياسين، وكان وكيلا لوزارة الخارجية وسفيرا في إيران، ثم سفيرا في الجزائر يوم اضطر صدام حسين لتوقيع اتفاقية السلام المغشوشة مع الشاه، قال في إحدى حلقات برنامج “تلك الأيام” للدكتور حميد عبدالله، إن روح التعالي على العرب، عموما، وعلى العراق، خصوصا، لم تتغيّر ولم تخفّ أبدا، لا في عهد الشاه ولا في عهد الخميني.
وقال أيضا إن شاه إيران انتقى من اتفاقية الجزائر فقط ما يتعلق منها بشط العرب، ثم لم يلتزم بباقي أحكامها.
وحين قابله في طهران، بتكليف من القيادة في بغداد، وطلب إليه تنفيذ باقي بنود الاتفاقية، ماطل وسوّف، بمهارة وبالكلام المعسول.
فلا تم ترسيم حدود، ولا خفّ التدخل في الشؤون الداخلية للعراق بعد الاتفاقية، بل إنه ازداد وتضاعف.
وأكد عبدالملك الياسين، من خلال عمله الدبلوماسي الطويل، أن هناك ثوابت قومية فارسية مشتركة بينهما تصوغ مواقفهما تجاه العرب، عموما، وتجاه العراق خصوصا.
فرغم أن الخميني جاء، كما ادعى، لمحو آثام الشاه، ولتصحيح أخطائه، خصوصا في الشؤون الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، إلا أنه لم يحافظ، فقط، على روح العداء والتعالي العنصري على العراق والعراقيين، بل ضاعف منسوبها، وطورها وحولها إلى غزوات عسكرية تخريبية أراد بها إسقاط الأنظمة العربية، جميعها، وإقامة الإمبراطورية الفارسية على أنقاضها.
وهنا نأتي إلى الاحتمال الثالث، والذي ليس للشعب العراقي سواه.
وهنا يمكن القول بأن كارثة كورونا وانهيار أسعار النفط وانشغال النظام الإيراني بمصائبه وبلاويه، إنما هي عوامل قوة رائعة تضاف إلى قوة المنتفضين، وعوامل ضعف آخر كبيرة جدا تضاف إلى ضعف أحزاب السلطة، وميليشياتها.
وبالتالي فإن لم ينتهز المنتفضون العراقيون هذه الفرص الذهبية مجتمعة، ويستبدلوا سياسة الدفاع والقتال عن بعد، بسياسة الهجوم والمقارعة وجها لوجه، بكل ما هو متوفر من طاقات وإمكانيات من جميع الأنواع والأشكال والمستويات، فلن تقوم لهم قائمة.
والحظ لا يطرق الباب سوى مرة واحدة، وها هو واقف على أبوابهم، فهل يخطفه الثوار العراقيون؟