إقرار الخطة الحكومية الجدية لإجلاء الرعايا اللبنانيين من الخارج، أشبَه ما يكون بإعادة مدّ أنابيب الحياة للحكومة من جديد، خصوصاً أنها كادت تفقدها الاسبوع الماضي.
مع ملف المغتربين، يمكن القول انّ الحكومة مرّت في أصعب قطوع خلال الايام الاخيرة، حيث وصلت الى لحظة كان مصيرها قاب قوسين أو أدنى من أن يطرح على الطاولة وصولاً إلى حد تطييرها. وشرارة التطيير انطلقت من الموقف الناري الذي أطلقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في وجه الحكومة بتعليق مشاركة وزيريه في الحكومة ما لم تقدم على خطوة إيجابية في ملف المغتربين قبل الثلاثاء، أي اليوم.
على ما يقول مطّلعون على مسببات هذا القطوع لـ«الجمهورية» انه «اذا كانت المقاربة الحكومية لملف «كورونا» وما تقوم به وزارة الصحة على هذا الصعيد، محل ثناء وتقدير من الاصدقاء والخصوم في آن معاً، الّا انّ ذلك لم يغفر للحكومة مسلسل السقطات المتتالية التي «حققتها» منذ نيلها الثقة؛ بدءاً بعجزها على مقاربة الأزمة الاقتصادية وتظهير ولو خطوة ملموسة تعكس إنفاذاً للإجراءات الموعودة، والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها منذ تأليفها، وبعدها بالتشكيلات القضائيةعبر تجميدها والسكوت على هذا التجميد، ثم في ملف التعيينات المصرفيّة وطبخها بطريقة عشوائيّة وما رافقه من تلويح جدّي من قبل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بالخروج من الحكومة، ومن بعده في ملف «الكابيتال كونترول»، الذي ظهَّر «شراكة» بعض الحكومة في نسف مشروع وزير المالية وتحويل مضمونه من خدمة المودعين إلى خدمة المصارف».
وفوق هذا التراكم، يضيف هؤلاء المطلعون، جاء ملف المغتربين ليشكّل جمراً ملتهباً بقوة تحت رماد الحكومة، جرّاء ما لاحظته عين التينة من تراخي الحكومة حيال قضية وطنية تتعلق بالمنتشرين في بلاد الاغتراب الاوروبي والافريقي، وساهم في إضرامه ما أعلنه بعض الوزراء بأن لا عودة لهؤلاء المغتربين قبل التأكد من عدم إصابتهم بفيروس «كورونا».
وبحسب المطلعين، فإنّ هذا التراخي كان مدوّياً في عين التينة، خصوصاً انّ الرئيس نبيه بري يعتبر أنّ ملف المغتربين بالنسبة إليه «أشبه ما يكون بسلك كهربائي عالي التوتر لا يجوز المس به بإهمال او استلشاء»، ولطالما أكد على لبنان الذي يطير بجناحيه المقيم والمغترب، وانّ المغتربين على اختلاف انتماءاتهم المناطقية والطائفية والمذهبية يشكّلون الاحتياطي الاستراتيجي للبنان وقرشه الابيض ليومه الاسود، وشكّلوا على الدوام عصب الاقتصاد اللبناني وانتعاشه بالتحويلات الهائلة الى ذويهم في لبنان».
ويلفت المطلعون الى انّ هذا الأمر جاء بمفاعيل سريعة، أدّت الى كسر «شهر العسل» الذي كان قائماً بين عين التينة والسراي الحكومي منذ تأليف الحكومة، ورئيس المجلس أكد طيلة هذه الفترة انه سيشكّل رافعة للحكومة لكي تنجح وتنفذ المطلوب منها على صعيد معالجة الأزمة الاقتصادية، وتحديداً الأزمة المالية. وجرى التعبير عن هذا الكسر في البيان العنيف الذي أصدره بري الجمعة الماضي، ودعا فيه الى عقد جلسة استثنائية من اجل إعادة النظر بقضية المغتربين، واتّهم الحكومة بأنّها شكّلت الشذوذ عن كل دول العالم التي تقوم بالبحث عن مواطنيها لإعادتهم الى بلادهم، الّا انّ رئيس الحكومة سارَع الى الرد خلال جولته في مستشفى رفيق الحريري، مؤكداً انّ الاجراءات المتخذة لا تسمح بإعادة المغتربين الآن، وقال: «لقد أعطينا 4 ايام للبنانيين الراغبين بالعودة قبل إقفال المطار، ولا نستطيع استثناء أحد قبل انتهاء هذه الفترة المحددة للتعبئة العامة».
وتبعاً لذلك، كما يؤكد المطلعون، سارَع برّي يوم السبت الى إصدار بيان مقتضب يعكس فيه مدى استيائه، ويلوّح فيه بتعليق مشاركة وزيريه غازي وزنة وعباس مرتضى في الحكومة ما لم تقم بإجراءات معينة قبل الثلاثاء (أي اليوم). وكان لهذا البيان الوقع الارباكي ضمن المثلّث السياسي المشكّل للحكومة، خصوصاً انّ الجسم ما زال يعاني الارباك جرّاء تلويح فرنجية بالخروج من الحكومة.
وبحسب معلومات المطّلعين، فإنّ الفترة السابقة لإعلان بري بيانه شهدت حركة اتصالات مكثّفة على مختلف الخطوط ضمن المثلث الحكومي، سواء بين «حزب الله» والرئيس بري، وبين الحزب والسراي الحكومي، وخصوصاً بعد ورود معلومات موثوقة بأنّ خيار الاستقالة كان جديّاً جداً لدى رئيس المجلس ولا رجعة عنه. ونجحت هذه الاتصالات في تليين موقف بري، بعد ورود مؤشرات استجابة لمطلبه من قبل رئيس الحكومة الذي جرى التعبير عنها في البيان الصادر عن اللجنة الوزارية التي انعقدت السبت في السراي الحكومي، وأكد خلالها دياب على انه مع عودة آمنة لمَن يرغب من المغتربين بالعودة الى لبنان».
ومع مرور هذا القطوع، تبقى العين على ما سيقرره مجلس الوزراء اليوم، وعلى ما تؤكد مصادر وزارية لـ»الجمهورية»، بأنه القرار الصادر عن الحكومة في ما خَص المغتربين وخطة إعادتهم، هو الذي سيحدد مصير الحكومة بين أن تبقى متماسكة او تسلك المسار الذي يقود الى انهيارها.