قالت مصادر مسؤولة في وزارة الصحّة للجمهورية إنّ الاسبوعين الفاصلين عن 12 نيسان المقبل؛ سيشكّلان حتماً فترة تحوّل كبير، سيتحدّد خلالها المسار الذي سيسلكه لبنان.
 
 
 
شاءت الحكومة، في سياق معركة مكافحة الوباء الخبيث، أن تخرج بقرار أكبر من تعبئة عامة، وأقل من حالة طوارئ، بدت من خلاله وكأنّها تمشي بين النقاط السياسية، فأرضت المطالبين بحالة الطوارئ، ولم تزعّل المعترضين عليها، وألزمت المواطنين بالاستجابة لمتطلبات الصمود أمام فيروس «كورونا» واتباع الحدّ الأعلى من إجراءات الحماية والوقاية الذاتية.
 
إذاً، تمدّدت فترة التعبئة لأسبوعين، والقوى السياسية والأجهزة العسكرية والأمنية المولجة تطبيق اجراءاتها، قرّرت التشدّد في إلزام المواطنين بحماية انفسهم، فيما عاصفة «كورونا» آخذة بالتفاعل اكثر على امتداد الكرة الارضية، ولبنان، الذي يسعى بإمكانات متواضعة للإفلات من قبضة هذا الوباء، ما زالت الجهات الرسمية المعنيّة بمكافحته، تؤكّد أنّه لم يدخل بعد مرحلة الخطر الشديد، وحجم الإصابات لا يزال في خانة المعقول والمقبول وتحت السيطرة، قياساً مع دول أخرى أفلت الزمام من يدها، وصار فيها انتشار الوباء يزحف بسرعة فائقة حاصداً آلاف الضحايا.
 
 
 
391 اصابة
 
في هذا الوقت، إرتفع عدد الإصابات بـ»كورونا» امس، المثبتة مخبرياً في مستشفى الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة، الى 391 إصابة، بزيادة 23 مصاباً عن يوم أمس الأول، بحسب البيان الرسمي اليومي عن وزارة الصحة. وهي نسبة اقل بـ12 عن الـ35 مصاباً الذين سجلّوا امس الاول الخميس. كما سُجلّت حالة وفاة لمريض يعاني من أمراض مزمنة في العقد الثامن من العمر في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي.
 
وكرّر البيان تشديد وزارة الصحة على «تطبيق جميع الإجراءات الوقائية خصوصاً الإلتزام بالحَجر المنزلي التام، الذي أضحى مسؤولية أخلاقية فردية ومجتمعية واجبة على كل مواطن، وأنّ أي تهاون بتطبيقها سيُعرّض صاحبها للملاحقة القانونية والجزائية».
 
 
 
فترة تحوّل
 
وقالت مصادر مسؤولة في وزارة الصحّة لـ«الجمهورية»: «إنّ الاسبوعين الفاصلين عن 12 نيسان المقبل؛ سيشكّلان حتماً فترة تحوّل كبير، سيتحدّد خلالها المسار الذي سيسلكه لبنان؛ إما نحو مرحلة الانحسار والاحتواء، وفسحة الامل موجودة في الإجراءات الوقائية المُتخذة، والتزام المواطنين بمنازلهم، ومن شأن ذلك ان يحدّ من انتشار الوباء ويحصره، وينخفض بالتالي عدد الإصابات الى مستويات دنيا، وإما انّه سيذهب الى ذروة أعلى من الانتشار، وساعتئذٍ سيصبح الوضع أسوأ، وقد لا تكون هناك إمكانية لاحتواء أعداد الحالات التي سيصيبها الوباء».
 
ورداً على سؤال، عما يتردّد عن توقّعات بارتفاع عدد المصابين بـ«كورونا» في لبنان الى 5 آلاف حالة، رفضت المصادر الدخول في لعبة الأرقام. وقالت: «بالتأكيد لا يمكن الركون ابداً الى توقعات، ورمي ارقام خطيرة جداً ومخيفة. مما لا شك فيه انّ الوضع دقيق جداً في لبنان، ولكن ما زلنا في مرحلة الاحتواء وهي بلا شك مرحلة اصعب مما كانت عليه قبل اسبوعين، بالنظر إلى عدد الاصابات الذي ارتفع بوتيرة أكبر، علماً انّنا قد حضّرنا أنفسنا لاحتمالات أسوأ، والجهوزية موجودة، وبالتأكيد نحتاج الى امكانيات اكبر، لكن ما يُساعدنا في عدم بلوغ تلك الاحتمالات او سيناريوهات صعبة، هو بقاء المواطنين في منازلهم، لأنّ الاستهتار والاسترخاء يشكّلان العامل الأساس المساعد للوباء على الانتشار اكثر فأكثر، وعندها يصبح من الصعب جدا احتواؤه».
 
 
 
قنابل موقوتة!
 
ولكن، على الرغم من توالي الدعوات الى المواطنين للالتزام بإجراءات الحماية والوقاية وآخرها امس، دعوة رئيس الحكومة حسان دياب اللبنانيين الى «التمسّك بالدولة والمحافظة عليها والالتزام بالإجراءات التي تتخذها الحكومة»، بالتزامن مع الإشعارات المتتالية الصادرة عن وزارة الداخلية، بقيت الخروقات ظاهرة بشكل فاقع في اكثر من منطقة، حتى انّ بعض شوارع الأحياء الداخلية شهدت امس، اكتظاظاً للسيارات والمارة، وتجمّعات خلت من أبسط شروط الحماية، وخصوصاً في فترة صلاة الجمعة، التي نُقلت في بعض المناطق، من الجوامع الى الباحات العامة، على ما قامت به بعض الجماعات في طرابلس امس.
 
على انّ هذا الإستخفاف بحالة التعبئة العامة والإصرار على التجمّع، وتعريض المتجمّعين ومحيطهم لخطر التقاط عدوى فيروس «كورونا»، تشكّل في رأي مصادر طبيّة قنبلة وباء موقوتة تُنذر بانفجار كارثي، إذا ما تفشى. وهنا تكمن مسؤولية المراجع الدينية في إنهاء هذا الظاهرة، وكذلك الاجهزة الامنية في التشدّد في منعها.
 
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «هذه القنبلة، تُضاف الى مجموعة قنابل مماثلة مزروعة في الجسم اللبناني، تستوجب حداً اعلى من الإجراءات، لتدارك ما قد يترتب عليها، الأولى في السجون المكتظة، والثانية في المخيمات الفلسطينية والثالثة في مخيمات النازحين السوريّين.
 
على انّ القنبلة الكبرى، تتمثل باللبنانيين المنتشرين في الخارج، وخصوصاً الموجودين في بعض الدول الاوروبيّة التي نكبها الوباء، وبعضهم ضاقت بهم السبل وباتوا تائهين في تلك الدول، وكذلك المنتشرين في دول افريقيا، التي بدأ الفيروس يتفشى فيها، ويعرّض حياتهم للخطر، جرّاء عدم توفّر أبسط اجراءات الحماية والوقاية الصحية في القارة الافريقية».
 
واكّدت مصادر اغترابية لـ«الجمهورية»: «انّ الوضع لا يُطاق، ويُنذر بكارثة، هناك مجموعات كبيرة من اللبنانيين موجودين في اوروبا يرغبون بالعودة الى لبنان، وحياتهم مهدّدة جرّاء سرعة الانتشار فيها، والأمر نفسه بالنسبة الى المغتربين في افريقيا».
 
وأشارت المصادر، «انّ الوباء بدأ ينتشر بسرعة في القارة الافريقية، وإن استفحل فيها، فسيكون لبنان امام كارثة اغترابية، وهؤلاء المغتربون توجّهوا بنداءات متكرّرة الى الدولة اللبنانية للعمل على اجلائهم، وعلى نفقتهم الخاصة سواء اكان لقاء بدل السفر أو الطبابة ان استدعى الامر، ومن دون ان يكلّفوها اي اعباء سوى تأمين سبيل العودة الى وطنهم. وحتى الآن لم يلمسوا اي تجاوب. فيما واجبها البديهي ان تولي هذا الامر الاولوية القصوى، وتتحمّل مسؤولياتها حيال شعبها المنتشر في دول العالم، وان تكون وفية لالتزاماتها حيالهم، وخصوصاً المنتشرون في افريقيا، اسوة بما قامت به كل دول العالم مع جالياتها».