ما من شك انّ فيروس كورونا هَزّ العرش الاميركي وأصاب القيادة الاميركية للعالم بندوب وجروح بالغة. لا بل أكثر، فهنالك من بدأ يتحدث عن بداية حرب باردة بين الولايات المتحدة الاميركية والصين لدرجة انّ صحيفة «واشنطن بوست» تحدثت عن خطر بات يُحدق بالقيادة الاميركية للعالم بعد نجاح الصين ثم روسيا في مواجهة الوباء فيما الولايات المتحدة الاميركية أصبحت من الدول الموبوءة، اضافة الى الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد الاميركي. فلقد رصدت البطالة الاميركية حتى الآن حوالى 3 ملايين ونصف المليون عاطل عن العمل، فيما الترجيحات تتحدث عن أرقام سوداوية. في الوقت الذي أعلن حاكم مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو أنّ تفشّي الفيروس في عاصمة العالم للمال سيزداد سوءاً خلال الشهرين المقبلين، كما أعربَ عن اعتقاده بأنّ الرئيس الاميركي لا يفعل ما يكفي للتخفيف من أضرار الوباء.
صحيفة «الوول ستريت جورنال» قالت إنّ الاقتصاد الاميركي مهدّد بخسارة أكثر من 5 ملايين وظيفة مع تراجع الناتج المحلي الاجمالي بمقدار تريليون ونصف تريليون دولار، ولو انها أبدَت اعتقادها باستعادة بعض الوظائف ولكن ليس قبل نهاية العام.
بالتأكيد هذه أخبار سيئة للحملة الانتخابية لدونالد ترامب. صحيح انّ منافسه المتوقع جو بايدن لم يحسن حتى الآن تكريس نفسه كبديل في البيت الابيض، لكنّ متخصّصين في الشأن الاميركي يعتقدون أنّ الحملة الدعائية لترامب تتعرّض للدمار. ووفق آخر استطلاعات الرأي تراجع ترامب الى 37 % كمرشح قادر على رعاية الاميركيين، فيما نال جو بايدن وبيرني ساندرز معاً 62 % على اعتبار انّ السباق «الديموقراطي» لم يحسم بعد. رغم انّ بايدن كان أكثر تفضيلاً بـ 33 % في مقابل 29 % لساندرز. لذلك حاول ترامب نشر التفاؤل، وهو ما دفعه لمراكمة المزيد من الاخطاء فهو يخشى أن يدخل الى الانتخابات وهو يحمل أسوأ سجل اقتصادي على الاطلاق. وهذا ما حصل مع أحد أسلافه هيربرت هوفر، الذي كان رئيساً خلال فترة الكساد وسرعان ما جرى طرده من البيت الابيض من قبل الناخبين وذلك في ثلاثينات القرن الماضي.
وبَدا ترامب مرتعباً عندما ادّعى انّ عقاقير الملاريا والكلوروكوين يمكنها المساعدة في مكافحة كورونا. فأحدث فضيحة بأن اضطرّ الطبيب الذي يلازمه الى التصريح بعدم صحّة ذلك. سيناريوهات الرعب تتوقع أن يصل معدل البطالة الى حوالى 30 %، وسط تسريح متلاحق للعمال.
وجادلَ ترامب خلال الايام الماضية مراراً وتكراراً بأنه سيكون من الأسوأ ترك الاقتصاد ينزلق الى ركود عميق، معلناً أنه يأمل بفتح اسواق البلاد مع حلول اعياد الفصح في 12 نيسان، ومعللاً ذلك بأنّ تدمير الدولة هو بإغلاقها.
لكنّ الرد جاء من الاقتصاديين والمشرّعين الجمهوريين الذين عارضوا هذه الدعوة، ومحذّرين من عواقب وخيمة اذا عاد الاميركيون الى العمل. حتى انّ بعض اكثر المؤيدين والمتحمّسين لترامب في «الكابيتول هيل» عارضوا توجّه ترامب، والأهم معارضة كبار المسؤولين في البنتاغون، والذين تحدثوا عن إجراءات لشهور عدة. وفاقمَت حرب النفط بين السعودية وروسيا من هذه الازمة الاقتصادية الاميركية. فالنفط الصخري الاميركي يمر بفترة حرجة لأنّ انهيار الاسعار يمكن ان يكون قاتلاً للعديد من الشركات التي تحتاج الى سعر 50 دولاراً للبرميل. فيما مجموعة «سيتي غروب» الاميركية تتوقع تراجع الاسعار الى 17 دولاراً للبرميل، امّا مصرف «غولدمان ساكس» فتوقّع وصول السعر الى 20 دولاراً للبرميل الواحد. ذلك انّ حوالى مليار ونصف مليار إنسان محاصرون داخل منازلهم، ما يعني تراجعاً كبيراً في مجال الطيران والنقل والمواصلات والصناعة.
في هذا الوقت يتدحرج الاتحاد الاوروبي باتجاه التفكّك، فعلى سبيل المثال قال رئيس صربيا، والذي تستعد بلاده للدخول الى الاتحاد الاوروبي، إنّ التضامن الاوروبي غير موجود وهذه قصة «خرافية» موجودة على الورق فقط، واعتبر انّ البلد الصديق الوحيد هو الصين.
إيطاليا المنكوبة لم تكن بعيدة عن حَد الاتجاه، فهي اشتكَت من أنها لم تحظَ بأي دعم اوروبي، خصوصاً من الدولة التي تعتبر نفسها قائدة الاتحاد، أي المانيا. فالشمال الايطالي الصناعي باتَ مدمّراً تماماً.
في الواقع فتحت الصين وروسيا أيديهما وقامتا بمَد الدول الاوروبية بالمساعدات الملحّة، في وقتٍ بَدت واشنطن غارقة في أزمتها وبعيدة كل البعد عن مساعدة القارة العجوز او الحليف التاريخي.
وسط هذه الفوضى العالمية، والتحولات التي بدأت تترسّخ ولو ببطء على وقع التداعيات الهائلة لكورونا، يقف لبنان مرتقباً ممّا يجري. فهو في الاساس غارق في كارثة اقتصادية ومالية نتيجة فساد وسوء ادارة. والجولة العربية التي كان ينوي رئيس الحكومة حسان دياب القيام بها في أول اطلالة خارجية له، باتت بحكم الملغاة او على الاقل بحكم المؤجلة الى أمد غير معلوم.
وتقف حكومته أمام 5 أزمات خانقة: مالية، مصرفية، اقتصادية، صحية واجتماعية. والمساعدات الخارجية، والتي كانت رهن إشارة سياسية، باتت غير موجودة. فالدول الخليجية تعاني التدهور المريع لأسعار النفط. والسعودية على سبيل المثال، والتي وضعت موازنتها على أساس 80 دولاراً لسعر برميل النفط، بات عليها أن تعاني خسائر يومية تقارب الـ 500 مليون دولار. هنالك من يقول انّ الانهيار الاقتصادي العالمي يقلّص الفارق بين لبنان والدول العالمية، لكنّ الصورة ليست كذلك فعلياً. فالوباء يكاد يقضي على ما تبقّى من اقتصاد لبناني، ومعه تصبح الاصلاحات التي يحتاجها لبنان في خبر كان، وهنا بيت القصيد.
كانت الحكومة تستعد لإعلان خطتها خلال شهرين لكنّ انشغال العالم باجتياح «كورونا» أعاد فتح شهية القوى السياسية والحزبية، وكأنّ شيئاً لم يكن، وكأن ّمحطة 17 تشرين الأول لم تحصل، وكأنّ البلاد بألف خير. فالصراع الدائر حول محاصصة نواب حاكم مصرف لبنان يؤكد ذلك، العودة للمحاصصة لا اعتماد آلية تعيين وفق الاصول العلمية. والكابيتال كونترول تعطّل وسط صراعات عنيفة. ومعه كيف يمكن الاعتقاد بإمكانية إعلان الخطة الاقتصادية والتي تتضمن خطوات حسّاسة مثل تخفيض وتشحيل القطاع العام المترهّل؟ وكيف يمكن طرح اعادة هيكلة مصرف لبنان وقطاع المصارف؟ وايضاً كيف يمكن تطبيق خطة الكهرباء، وسط عائقين كبيرين: الأول يتعلّق بمصير المفاوضات التي قطعت شوطاً كبيراً مع شركتين فرنسيتين لالتزام بناء المعامل وتأمين الطاقة المؤقتة، والثاني استمرار الرهانات على إعادة ملف التلزيمات الى الصراع والتجاذب الداخلي؟.