الطامحون يعودون
في الحديث عن الأزمة الاقتصادية والخطة الإصلاحية، ووجوب إنجاز الشروط الدولية، للحصول على مساعدات... أصبح المعنيون يجيبون بجرأة على سائليهم، بأن لا أحد باله في كل هذه الملفات. كورونا تجتاح كل شيء. تقود العالم وستغير وجهه. ومن كان يضع الشروط على لبنان لتقديم مساعدات، تنقذه من أزمته الاقتصادية سيجد نفسه في أزمة أعمق.
هكذا يكون كورونا قد منح فرصة للسياسيين اللبنانيين في الهروب إلى الأمام، والمناورة على مواجهة الاستحقاقات، أو الشروع بالإصلاحات. وبما أن أزمة كورونا هي ربّان السفينة الغارقة، لا بأس ببعض الطامحين بلعب دور القبطان أن يتجدد حلمهم، فيستغلون الوضع لتمرير ما يريدونه. فيخنقون مجدداً صرخات الناس التي هتفت منددة بسياساتهم. يتصرف هؤلاء وكأن شيئاً لم يكن، يتمترسون بكورونا، وبالحاجة السريعة إلى اتخاذ قرارات، لتمريرها وفق ما يشتهون. يعودون إلى ما قبل 17 تشرين، وحتى إلى ما قبل الأزمة التي أدت إلى الانفجار الاجتماعي والثورة الشعبية.
استعجال التعيينات
يريد هؤلاء تثبيت مقولة واحدة لا يمكن التنازل عنها بالنسبة إليهم، فهم أصحاب العهد والحكم. وهذه الحكومة، أي حكومة حسان دياب، هي حكومة العهد الحقيقية، التي لا يشاركهم فيها أي معارض أو شخص كان في عداد مجلس الوزراء من دون رضاهم أو موافقتهم. ولأنهم يعتبرون الحكومة على هذه الشاكلة، فلا يحق لأحد آخر أن يشاركهم في ما يريدون إقراره فيها، لا سيما ما يتعلق بملف التعيينات. يريد هؤلاء الاستعجال في إقرار التعيينات وفق ما يريدونها. فيختزلون التمثيل المسيحي في كل المواقع من حصتهم، ويعملون على الاستفادة من غياب مكون سنّي تمثيلي، للتلاعب بالتعيينات في المواقع السنية، بالتوافق بينهم وبين دياب. وهكذا، يسيطرون على الحصتين، كاقتراحهم في أحد المناصب بلجنة الرقابة على المصارف، اسم زوجة مرشح سابق من قبلهم لتولي وزارة من الحصة السنية، زوجة مدير سيدروس بنك فادي عسلي.
باسيل يتمدد
الطرف المقصود طبعاً هو التيار الوطني الحرّ، الذي يصرّ على إثبات أن رئيسه جبران باسيل، لا يزال يتحكم بمسار الحكومة كما يريد، وإن أصبح خارجها. يتمسك بكل المواقع المسيحية في الدولة، وبشكل يتخطى "التفاهم" الذي كان قد أبرمه مع الحريري حول التوزيع الطائفي والسياسي للتعيينات، فهو لا يريد فقط التعيينات المسيحية، بل أيضاً جزء من التعيينات السنية والدرزية. فيما يترك المواقع الشيعية للثنائي الشيعي.
تلك التعيينات تعرقلت وتم تأجيلها. وفيما كان من المفترض أن يتم إقرارها في جلسة الخميس، تم ترحيلها إلى الأسبوع المقبل، إلى أن تُجرى جولة اتصالات ومشاورات جديدة للوصول إلى حلّ أو توافق.
لقاء برّي - دياب
تأجيل التعيينات جاء بعد لقاء بعيد من الإعلام عقد بين الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب. وقد ركّز اللقاء، وفق البيان الصادر عن عين التينة، على وجوب قيام الحكومة بواجباتها لمواجهة أزمة كورونا ولمعاونة اللبنانيين المغتربين. لكن ما لم يتحدث عنه البيان، كان الجانب الأهم في اللقاء، وهو يتعلق بثلاثة ملفات: الملف الأول، الكابيتال كونترول، والذي أبدى بري انزعاجه الشديد في طريقة التعاطي مع هذا الملف، على أن تستكمل المشاورات المالية مستقبلاً.
الملف الثاني، كان حول إعلان حالة الطوارئ، لأن الوضع في لبنان لا يحتمل، خصوصاً إذا ما وصل الارتفاع اليومي لعدد المصابين بكورونا إلى خمسين إصابة. فهذا يعني أن الوضع سيكون كارثياً، ولن يكون هناك إمكانية للحد من انتشاره إلا من خلال حالة الطوارئ. الأمر الذي لم يذهب رئيس الحكومة إلى إقراره. وعندما سأله بري عن سبب عدم اتخاذ القرار كما كان قد وعد سابقاً، أجاب بأنه غير قادر على ذلك. فيما هناك من يعتبر أن السبب أصبح معروفاً، ولا يمكن تسليم الجيش، لحسابات متعددة.
الملف الثالث كان ملف التعيينات. إذ أبدى برّي ملاحظاته، وأنه لا يمكن لطرف أن يستمر في ممارسته التي كان يمارسها قبل 17 تشرين، وكأن لا شيء في لبنان. ولا يمكن أن يختصر كل التعيينات لصالح فريقه السياسي. ما سمعه برّي من دياب كان مجرّد شكوى، من دون الوصول إلى أي اتفاق أو قرار، لتبقى الأمور مرهونة بمشاورات سياسية خارج الحكومة، قد يعمل عليها حزب الله للتقريب في وجهات النظر بين حلفائه.
كل ما يجري، هو مجرد عمليات تقطيع وقت، وانتظار. لبنان يستمر بالغرق، وفي الوقت الذي كان يحتاج فيه إلى حكومة تنقذه من الغرق، فها هي الحكومة تغرق في حسابات متضاربة، ولا أحد فيها قادر على السباحة للعبور. تيارات كثيرة ستعصف بالحكومة، ولا أحد يعلم الفترة التي سيوفرها لها التنفس الاصطناعي الممنوح لها.