تتوقف الإجابات على الإجراءات التي قد نتخذها، والأهم من ذلك هو متى نتخذها. ومن خلال العمل مع أخصائيي الوبائيات والأمراض المعدية، قمنا بتطوير هذه الأداة التفاعلية، التي تتيح رؤية ما قد يُنتظر في الولايات المتحدة مثلاً، ومدى الفرق الذي يمكن أن يحدث إذا تصرّف المسؤولون بسرعة. (الأرقام هي بالنسبة لأميركا، ولكن الدروس تنطبق على نطاق واسع على أي بلد).
إذا بقينا على المسار الحالي، فإنّ هذا النموذج يتوقع أن يُصاب ما يقرب من ثلث الأميركيين، أي أكثر من 100 مليون شخص بالعدوى بشكل متراكم، وأكثر من 9 ملايين في وقت واحد. وهناك تقديرات أخرى تصل إلى ثلثي الأميركيين. ولكن حتى في هذا السيناريو، فإنّ مليون شخص سيموتون.
ولكن التدخلات الوقائية مهمة ومفيدة بشكل كبير. فمنع التجمعات العامة وإغلاق أماكن العمل وبعض المدارس والاختبارات الجماعية وتحصين المستشفيات، كل ذلك يؤدي إلى انخفاض معدلات الإصابة والحد من الوفيات.
وهنا السيناريو ذاته، ولكن بحيث تبدأ التدخلات الوقائية بعد شهر واحد. عدد الإصابات سيرتفع أكثر. لذلك ليس مجرد التدخّل هو المهم، بل التدخّل بسرعة. يعني أنّ الأمس أفضل من اليوم، واليوم أفضل من الغد.
التدخّل الفاعل والصارم مهم مع الضبط بشدة. هذه التدخّلات تشمل إلى التدابير الصارمة، إجراء اختبار الإصابة بشكل واسع النطاق، ومنع التجمعات الكبيرة، في حين أنّ الوضع الراهن (في اميركا) لا يشتمل إلّا على تدخّلات متوسطة (على الرغم من أنّ بعض الولايات تتخذ تدابير أكثر صرامة).
ما يهمّ هو ليس فقط العدد الإجمالي للعدوى. ولكن، إذا كان العديد منها يحدث في وقت واحد، فمن شأن المستشفيات المثقلة بأعباء العمل ونقص أجهزة التنفس الصناعي في وحدات العناية المركّزة، أن يؤدي إلى وفيات الأشخاص بغير سبب الفيروس التاجي، كالنوبات القلبية وغيرها من الأمراض، وذلك لانشغال الطاقم الطبي وأدواته بإصابات العدوى واشتراكاتها.
لذا، فإنّ التدخّلات الناجحة هي مسألة حاسمة، لأنّها تؤدي إلى تسطيح نِسَب العدوى، بحيث لا تتكاثر في وقت واحد، يؤدي الى إغراق القدرات الطبية. فنحن سنكون أفضل حالاً إذا حدثت 100 مليون إصابة على مدى 18 شهراً بدلاً من أكثر من 18 أسبوعاً. هذا يعني، أنّ العدد التراكمي ذاته من مرضى العناية المركّزة، سيتوزع على فترة طويلة نسبياً، تجعل من التدخّل الطبي مريحاً، أما العكس فيعني زيادة كبيرة في الوفيات لعدم القدرة على تلبية الحاجات.
بالطبع أنّه علينا الافتراض بأنّ أي نموذج افتراضي وإحصائي هو فقط مفيد للإستنارة. لكن هناك الكثير من عدم اليقين حول الفيروس التاجي، بحيث لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بكيفية مساره.
أحد أركان المجهول الأساسي هو فرضية ما إذا كان الطقس الدافئ سيساعد في تقليل العدوى، كما يفترض أن يحدث مع الإنفلونزا الموسمية. إذا كان الأمر كذلك، يمكن أن نرى فترة سماح هذا الصيف، ومن ثم استئنافاً للحالات في الخريف (وهذا ما حدث في عام 1918 مع وباء الانفلونزا الاسبانية). بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من العلاجات التي يتمّ اختبارها، وقد تكون مفيدة ضد الفيروس التاجي.
من ناحية أخرى، فإنّ نقص معدات الحماية، مثل الأقنعة والفوضى في المستشفيات، قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات. كما أنّ الولايات المتحدة لديها عدد أكبر من المسنّين وبالتالي، فإنّ البيانات الصادرة عن الصين بخصوص الوفيات والشفاء، لا يمكن أن تكون متطابقة لما سيكون في بلد آخر. وما نراه اليوم في إيطاليا خير دليل على الأمر.
«الهدف من أي نموذج وبائي هو ليس محاولة التنبؤ بالمستقبل، ولكن لمساعدة الناس على فهم لماذا قد نحتاج إلى تغيير سلوكياتنا أو تقييد تحركاتنا، وأيضاً لإعطاء الناس شعوراً بنوع التأثير الذي يمكن أن يكون لهذه التغييرات على الانتشار والقدرة على إدارة وعلاج الوضع».
آشلي تويت، عالمة الأوبئة في جامعة تورنتو قالت: «عندما يكون لدينا مرض جديد يدخل على السكان، قد لا نستفيد في البداية من المناعة أو اللقاحات للحد من انتشاره، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع السيطرة عليه. وقد أظهرت بلدان أخرى بالفعل أنّ الاستجابة الجدّية لمسألة الوقاية يمكن أن تكسر حدّة منحنى الوباء».
أعلن الرئيس ترامب عن بعض الخطوات لمواجهة الفيروس، لكنها ركّزت على الاقتصاد، وعلى الحد بشكل حاد من السفر من معظم أوروبا. وفي هذه المرحلة، قد يكون عشرات الآلاف من الإصابات في الولايات المتحدة، فلا أحد يعرف الرقم بالضبط، لأنّ الاختبارات قد تعرّضت لفشل كارثي حتى الآن، ومن المحتمل أن يتضاعف عدد الحالات كل ستة أيام أو نحو ذلك. وفي ظلّ هذه الظروف، قد لا يكون وقف قدوم بضع حالات جديدة من أوروبا مهماً إلى هذا الحد.
ويقول أخصائيو الصحة العامة إننا بحاجة إلى توسيع كبير في قاعدة الاختبارات، وتشديد القيود الرئيسية على التجمعات العامة، وتعليق الدراسة في المناطق المتضررة، والاستعدادات المكثفة حتى تتمكن المستشفيات من العمل مع ارتفاع معدلات العدوى.
وأشار ديفيد ن. فيسمان، وهو عالم أوبئة آخر في جامعة تورنتو، أنّ التحدّي يكمن في ضرورة القيام بتدخلات عدوانية في وقت مبكر لتكون أكثر فعالية - ومع ذلك قد لا يكون الجمهور متحفزاً بما يكفي لتبنّي مثل هذه التدابير في وقت مبكر من مراحل الوباء.
وقال الدكتور فيسمان: «في وقت مبكر من الوباء، من الصعب جداً حشد الإرادة السياسية لتنفيذ سياسات مُكلفة ومدمّرة اقتصادياً لمكافحة الأمراض. ما نأمل أن يحصل هنا، هو أن حساب التفاضل والتكامل هو واحد في الضرر على المدى القصير لتحقيق مكاسب على المدى الطويل: التباعد الاجتماعي المبكر والصارم يمكن أن يقلّل بشكل كبير من عدد ضحايا الأوبئة، والتي يمكن أن تؤدي إلى الانهيار القريب لأنظمة الرعاية الصحية، كما هي الحال اليوم في إيطاليا».
لا أحد منا يعرف ما ينتظره من هذا الوباء بشكل دقيق، ولكن عدم اليقين الحكيم الذي يكتنف علماء الأوبئة أفضل من التهديد الواثق من جماعة المنفوخين الذين يتحدثون على شاشات التلفزيون. والشيء الوحيد الذي يمكننا أن نثق به، هو أنّ هناك مخاطر هائلة تنتظرنا، بما في ذلك خسائر فادحة في الأرواح، إذا لم نتخذ إجراءات عدوانية.
لقد أهدرنا بالفعل أسابيع كان فيها الحديث من الرئيس ترامب كأضحوكة عن الفيروس، وحاول التحدث عن أسواق الأسهم بدل ذلك، ولكن لم يفت الأوان بعد: لا يزال بإمكاننا تغيير مسار هذا الوباء.
* عن مقال بحثي لنيكولاس كريستوف وستيوارت أ. طومسون