انتابت الأسواق العالمية حالة من الهلع وهرول المستثمرون نحو البحث عن الملاذات الآمنة مع تصاعد حدة جائحة كورونا التي تجتاح العالم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ، بيد أن سلوك المستثمرين في اختيار الملاذات الآمنة اختلف عن نظيره في أوقات الاضطرابات التي تمر بها الأسواق بين الحين والآخر.
وفي مذكرة بحثية صادرة عن معهد التمويل الدولي لتقييم توجهات المستثمرين في خضم الأزمة الحالية، خلص المعهد إلى تدافع المستثمرين نحو البحث عن السيولة ما أدى إلى ارتفاع قياسي بأسواق السيولة.
وقالت المذكرة، "مع الاضطرابات التي تضرب الأسواق لمستويات لم نعرفها منذ الأزمة المالية العالمية وحزم تحفيزية من الحكومات حول العالم لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، فإن تدافع المستثمرين نحو الأصول الآمنة أدى بلوغ أصول السيولة في الأسواق الأميركية مستويات 3.8 تريليون دولار غير بعيدة عن المستوى القياسي المسجل إبان الأزمة المالية العالمية في 2009 حول مستويات 3.9 تريليون دولار".
وفي أوقات الأزمات يهرع المستثمرون إلى الدولار الأميركي والذي يعد أحد الملاذات الآمنة في أوقات الأزمات إذ تشكل العملة الخضراء السواد الأعظم من الاحتياطيات الأجنبية لكافة البنوك المركزية حول العالم.
وتابعت الورقة البحثية، "هذا التدافع نحو الكاش خفض من مستويات السيولة في الأصول التي تتم بالمخاطر في الأسواق مع حالة من عدم اليقين بشأن النظرة المستقبلية للعوائد الاستثمارية في تلك الأدوات".
وأدت الحزم التحفيزية التي ضختها البنوك المركزية في الأسواق إلى ارتفاع العائد على السندات طويلة الأجل ما أدى في نهاية المطاف إلى هبوط حاد في حجم السندات سلبية العائد والتي تراجعت إلى مستويات تبلغ 8.7 تريليون دولار بنهاية الأسبوع الماضي مقارنة مع نحو 15 تريليون دولار قبل نحو أسبوع.
موجة بيع لسندات الشركات
وأدت المخاوف المتعلقة بالتعثر عن سداد الديون والسندات المستحقة إلى موجة بيع في سندات الشركات على وجه التحديد على مدار الأسابيع القليلة الماضية.
وتشير بيانات معهد التمويل الدولي إلى أن المستثمرين قد سحبوا نحو 43 مليار دولار من سندات الشركات منذ 20 شباط الماضي، مع ارتفاع تكلفة التأمين على ديون تلك الشركات لمستويات قياسية.
ويبلغ حجم السندات المستحقة خلال 2020 نحو 1.8 تريليون دولار يتركز الجزء الأكبر منها داخل الولايات المتحدة بنحو 450 مليار دولار وفي ألمانيا بنحو 250 مليار دولار.
ولا تتوقف خطورة الوضع بالنسبة للشركات عند هذا الحد، إذ تشير الورقة البحثية الصادرة عن معهد التمويل الدولي إلى أن خفضا وشيكا للتصنيف الائتماني سيكبح الطلب على سندات تلك الشركات.
وقال المعهد، "بينما لا يزال من المبكر تقييم الآثار الاقتصادية المتوقعة لفيروس كورونا المستجد، سيشهد العام الجاري خفض التصنيف الائتماني لعديد الشركات التي تعاني بشكل أو بآخر من تبعات الأزمة مع مؤشرات حالة من الركود بالاقتصاد العالمي".
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، نقلت وكالة رويترز عن محللين في وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية قولهم إن الوكالة بصدد إصدار أول موجة جماعية من تخفيضات التصنيفات للشركات المتضررة من الأزمة خلال الأيام القليلة المقبلة.
التدافع نحو الدولار الأميركي
وفي خضم الأزمة التي تشهدها الأسواق العالمية، ارتفع الطلب بشدة على الدولار الأميركي، وقال المعهد إن خطوط مبادلة الدولار التي استخدمها الفدرالي الأميركي ربما خففت بعض الضغوط التمويلية على المستثمرين في منطقة اليورو، ولكن الطلب المرتفع أدى إلى ضغوط بالأسواق الناشئة وبالتحديد على عملات تلك الأسواق.
وأضاف: "الديون المقومة بالدولار الأميركي في الأسواق الناشئة تبلغ مستويات قياسية عن 5.8 تريليون دولار ومن شأن استمرار ارتفاع قيمة الدولار أن يمثل أعباء تمويلية ومخاطر على السندات السيادية وسندات الشركات بتلك الأسواق والتي تعاني على وجه التحديد من تراجع في احتياطاتها الدولارية".
وحذر المعهد أيضا من تعرض بعض القطاعات التي تتمتع تقليديا بحماية من التحوطات الطبيعية على غرار إيرادات السلع كالنفط، لضغوط بفعل قوة الدولار الأميركي.