على الأغلب ان فيروس الـ كورونا العابر للقارات والدول والشعوب سيبقى الى اجل غير محدود بعد، يتصدر الاهتمامات والمتابعات الدولية، الرسمية منها والشعبية، وقد فرض هذا التحدي نفسه على الجميع من دون استثناء، بين دولة ودولة، وشعب وآخر، غني وفقير، ابيض واسود، ومن دون تمييز بين دين ومذهب وانتماء.
فرض هذا نفسه، وهو يتصدر، على المستوى الدولي والاقليمي، كما واللبناني لائحة التحديات والهموم وقد تبوأ المركز الأول، من غير ان ينفي التطلعات الدولية ومصالح الدول الكبرى وما تحمله من صراعات حيث عم الشلل، شبه التام وتسبب في حجر الناس في البيوت، كما وفي مضاعفة الازمات وتداعياتها الاجتماعية والانسانية والمعيشية.
فجأة أطل الرئيس الاميركي دونالد ترامب، على العالم، معلناً في مؤتمر صحافي، وفي سياق التمهيد لبيعة كبرى ان إدارات الأغذية والدواء الاميركية، تعمل على مدار الساعة للتوصل لعلاج كورونا .
في كلمة الرئيس الاميركي لم يغب لبنان ، في دلالة لافتة، ومبدياً شكره الحكومة اللبنانية لتعاونها في الافراج عن عامر فاخوري الموصوف بأنه جزار الخيام وكف التعقبات عنه، ما اثار موجة من ردود الفعل والمواقف جراء اطلاق فاخوري واسقاط الجرائم المسندة اليه بتهم العمالة لاسرائيل والخطف واعتقال وتعذيب لبنانيين داخل سجن الخيام، بسبب مرور الزمن، وهو بحسب المعطيات المتوافرة تهريبة موصوفة، واضحة عليها بصمات السلطة السياسية. بالتوازي كشف الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله في لبنان مساء الجمعة حجم الأزمة التي يعيشها الحزب بسبب حال الضعف التي تعاني منها إيران والسياسة التي تتبعها في لبنان.
إقرأ أيضًا: الكورونا ينهي ما بقي من اقتصاد والنكبة أتية
وإذا كان لا بد من تصديق قول نصر الله أنه لم يكن على علم بما جرى، ولا علم له بوجود صفقة، فهذا يطرح تساؤلات أخطر وأسوأ، أي أن هناك من أراد تجنب العقوبات ونفذ ما طلبه الأميركيون من دون معرفة الحزب. والأفظع، أن هؤلاء لا يلقون أي عتب أو انتقاد من قبل الحزب. على عكس، من أشهر اعتراضه على ما جرى، وطالب الحزب بتوضيح الموقف، نالت منه كبائر الحد الذي رفعه نصر الله.
ورأى سياسي لبناني يعرف حزب الله عن قرب أن خطاب السيد حسن نصرالله، وما تضمنه من حملة على الأصدقاء والحلفاء، يكشف حجم إنزعاجه من أيّ انتقاد له أو للحزب في مرحلة يبدو فيها أن المطلوب هو تقديم الطاعة العمياء للأمين العام نفسه بدل الشكوى من أيّ تنازلات يمكن أن يقدّمها الحزب في ضوء الأزمة المالية التي يعاني منها والتي لم تعد تسمح له بإسكات أيّ أصوات معترضة عليه من داخل البيئة المؤيدة له. وهكذا يمكن القول إن قضية عامر الفاخوري، التي شكّلت أكبر تحد من نوعه للعلاقة بين الحزب والتيار في توصيف قضية العمالة بين من ينظر إلى اللبناني الذي تعامل مع إسرائيل على أنه عميل تستوجب محاكمته ومن ينظر إليه على أنه مبعد يستوجب العفو عنه بعد محاكمة عادلة أن التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر ما زال حاجة للطرفين. فالحزب في ظل الضغوط الجارية عليه وعلى إيران في المنطقة، بات بحاجة اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى حليف يستند إليه، وليس أفضل من فريق التيار الذي ما زال يمثّل أكبر كتلة نيابية مسيحية ولديه رئيس جمهورية في قصر بعبدا يشكّل خط الدفاع الأول عن حزب المقاومة. وهذا ما يفسّر سكوت الحزب عن تقديم ورقة الفاخوري هدية إلى باسيل والأمريكيين رغم ما تعرّضت له صورته أمام جمهوره. وأخيراً، يبقى السؤال هل سينجح حزب الله والتيار الوطني الحر في تبادل الهدايا وتجاوز بعض جوانب الخلاف في المستقبل؟
لبنان من اقصاه الى اقصاه، يمر بمرحلة دقيقة وبالغة الصعوبات والتحديات، ولبنان، كما سائر الدول لم تنج من هذه التحديات، لا على المستوى الصحي، كما المستويات الاقتصادية والمالية والمعيشية، على رغم ان الجميع، متفقون على القول ان لا صوت يعلو فوق خطر كورونا.
على رغم ان ذلك لا ينفي انشغال اللبنانيين بسائر أزماتهم الاقتصادية والمالية والمعيشية، وحين تبيان المشاريع الانقاذية التي يجري الحديث عنها، يسعى الجميع الى عبور تحدي الـ كورونا بنجاح، او بأقل الخسائر الممكنة.
وثمة مشاريع كثيرة اخرى مطروحة امام الحكومة من ضمن بيانها الوازري، ولعل اهمها مشروع استقلالية القضاء التائه بين الحكومة ومجلس النواب، ومثله مشروع انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتطبيق قانون حق الوصول الى المعلومات، الذي يفضح تطبيقه الكثير من الامور المستورة. عدا مشاريع النفايات الصلبة والبيئة، وكل هذه يحتاج تنفيذها الى معارك مع امراء السياسة والطوائف، وبعضهم ممثل بشكل غير مباشر في الحكومة.
الوقت يداهم الحكومة في مهلة المائة يوم الاولى التي حددتها لنفسها، وجاءت ازمة فيروس كورونا لتؤخر تنفيذ بعض الاستحقاقات الداهمة، نظراً للكلفة المالية الضخمة المتوجبة على مكافحة الوباء، والتي قد تغطي جزءاً منها تبرعات اللبنانيين، اذا ذهبت الى الصندوق الصحيح والى التنفيذ السليم الشفاف.