ثلاث نقاط أساسية أوردها أمين عام حزب الله بطلته أمس عبر شاشة المنار للدفاع عن نفسه وعن حزبه ومحاولة تبرئة ساحته من فضيحة إطلاق سراح العميل الإسرائيلي الأميركي عامر فاخوري.
أولا: عدم وجود صفقة مع الاميركي.
ثانيا: عدم علمه المسبق بالقرار القضائي الفضيحة.
ثالثا: اضطراره للخروج على جمهوره للتبرّي.
فلو تخطينا النقطة الأولى وسلمنا بعدم وجود صفقة (وهذا ما أكده مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد شينكر)، إلا أن عدم وجود صفقة هو أسوأ بكثير من لو أنها وجدت، لأنه يعني أن إطلاق سراح جزار الخيام إنما جاء تلبية للرغبات والضغوط الأميركية فقط لا غير، وأكاد أجزم هنا أن الكثيرين من أصدقاء الحزب وبالأخص الاسرى والمقاومين (وانا منهم) كنا تفهمنا أكثر بكثير جريمة إطلاق السراح بوجود صفقة ما، وكانت لتكون أقل وطأة على قلوبنا، بغض النظر عن نتائجها ومكتسباتها، فأقلها، هذا قد يضع الحزب من جهة والعدو الاميركي الإسرائيلي من جهة ثانية بموقع الندية على عكس نفي الصفقة الذي يضع الحزب بموقع الخاضع الخانع الضعيف، والعميل المجرم بموقع المنتصر القوي.
اقرا ايضا : حزب الله : الفاخوري عميل، لكنه أميركي
أما بالنقطة الثانية، وعدم معرفته بما سيؤول إليه الحكم القضائي بموضوع بهذا الحجم ، فهذا لعمري أشدّ غرابة وأكثر استهجانا من الحكم نفسه، ويحمل بمدلولاته عنصرين كبيرين يجب التوقف عندهما كثيرا، الأول أن هذا الحزب بمقدراته العسكرية الجبارة وأجهزته الأمنية الهائلة فشل فشلا ذريعا بمتابعة ملف بهذه الخطورة، هذه الأجهزة التي تعرف وتتابع عدد المناقيش التي يتناولها الثوار، ويعرف جيدا العلاقات النسوية لأي معارض وما يحتويه تلفون ديما صادق وماذا يدور بأروقة القصر الملكي في الرياض وعدد الوزّات في قصر المختارة والوضع الصحي للرئيس الاميركي وعدد الفيلة في غابات الامازون، هذا الجهاز نفسه وهذا الحزب عينه لم يكن يعرف أن عميلا بحجم الفاخوري سوف يخرج من خلف القضبان؟! وهل لهذا الفشل الذريع إن وجد حقا، سيكون له تداعيات داخليه ليس أقلها إقالة رئيس وحدة الارتباط من موقعه ؟!
وأما المدلول الثاني، وهو الأهم أن حلفاء الحزب المتورطون بالملف والمقصود هنا طبعا التيار الوطني الحر وجبران باسيل تحديدا، قد قدّم مصلحته الشخصية وإرضاء الأميركيين من خلال الإنصياع لأوامرهم على حساب رغبات الحزب وإصراره على محاكمة هذا العميل، ولهذا الأمر أيضا تداعيات ومداليل، فالتيار الوطني الحر ورئيسه الذي من ديدنه نقد الاتفاقات والنكث بها، بعد تحصيل مكاسبه منها، وهذا ما جرى عليه الأداء السياسي لهذا التيار من اتفاق معراب الذي ضرب به عرض الحائط بعد التسوية الرئاسية ووصول ميشال عون إلى بعبدا، وهذا ما حصل بالإتفاق مع سعد الحريري وإخراجه من الحكومة بدون رفة جفن،
فإذا كان استمرار وبقاء تفاهم مارمخايل، محكوما فيما مضى لحاجة مشتركة بين الطرفين ولقوة ونفوذ الحزب بالمرحلة السابقة وما يشكل من ممرا إجباريا للوصول إلى بعبدا، فهل صار ينظر جبران باسيل للحزب اليوم وبعد العقوبات الاميركية المتشدده وانحسار النفوذ الإيراني بالمنطقة بالأخص بعد اغتيال سليماني إلى عبء؟ ، مما حدا بباسيل إلى اعتبار أن هذا التفاهم تحول إلى ما يشبه السد والعائق أمام طموحه الرئاسي وبالتالي فهو بصدد التفلت منه إرضاءا للرئيس ترامب، وأن بداية هذا التفلت هو الافراج عن العميل فاخوري وإحراج الحزب أمام جمهوره وبيئته والدوس على مشاعر الحزب وشهدائه وأسراه وتوجيه سهم مسموم لقضية حساسة تمثل المشروعية الأساسية والسبب الأول لوجود هذا الحزب، فيما الهدف الحقيقي هو إصابة التفاهم قبل أي شيء آخر؟
وبالتالي فإن الرسالة التي أرادها جبران من تطيير الفاخوري إلى أميركا هو تطيير التفاهم مع الحزب معه ؟!
أما النقطة الثالثة، واضطرار السيد للخروج إلى جمهوره ودفاعه عن نفسه وعن حزبه بقصية تنعلق بالمقاومة! وكأن الأمر مختلف عن خروجه مرات ومرات ومرات لتبرير وقوفه إلى جانب طاغية الشام، وخروجه بالأمس القريب لتبرير دفاعه وحمايته الطغمة الفاسدة في لبنان وتخوين الثوار الجوعى؟!!! ،، نقول هنا أن هذه المواقف التي يضع الحزب نفسه فيها لم تعد تنفع معها توصيف الحالة بأنها من "نكد الدهر" ولم يعد ينفع معها لا تنهيدة ولا ملامة لصديق منتقد من هنا أو غصة من هناك ولا حتى إلى ذرف الدموع، وإنما يحتاج إلى دعوة حقيقية يا سيد لمراجعة صادقة وشفافة تفضي إلى إعادة التموضع وإعادة القراءة بالخطوات الخاطئة والمميتة التي أخذت الحزب إلى مكان لا يشبه تاريخه ولا تضحياته وهذا يجب أن يحصل الآن وقبل فوات الأوان .