وتعتقد إيران أن الطبقة السياسية الشيعية انشغلت بانقساماتها وصراعاتها الداخلية على الزعامة والسلطة والنفوذ عن شارعها حتى انفجر.
وتقول مصادر سياسية إن إيران بقيت تشجّع الأحزاب الحليفة لها على التقارب بعد مقتل سليماني، وإن الأحزاب الشيعية تأكدت من حاجتها إلى إعادة تنظيم صفوفها، عندما شاهدت المكلف السابق محمد توفيق علاوي يسقط بسبب اعتراض قوى سياسية سنية وكردية.
ودار الكثير من الأحاديث في الكواليس السياسية عن “ضياع هيبة المكوّن”، وضرورة عدم تأثير الأطراف الأخرى في اختيار المرشح لرئاسة الحكومة إلا بقدر محدود، وليس إلى درجة إسقاطه.
ودفع هذا الجدل، الأحزاب والقوى الشيعية السبع، إلى تشكيل لجنة خاصة، تتولى تنظيم تفاهمات داخلية تقود إلى اختيار رئيس وزراء جديد بدعم شيعي علني.
لكن اللجنة السباعية لم تصل إلى شيء، فأعلنت كتلة “سائرون” التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر نهاية المفاوضات فيها، في أبرز مؤشر على انهيار التقارب الشيعي.
وبدلا من أن يتفق الشيعة على مرشح يدعمونه لرئاسة الوزراء، خوّل الصدريون رئيس الجمهورية برهم صالح ممارسة صلاحياته الدستورية وتكليف من يراه مناسبا بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفجّر هذا التطور غضبا شيعيا كبيرا ضد الرئيس صالح، وصل حد التلويح بإقصائه من منصبه، بعدما تجاوز على “حصة المكون” ورشّح شخصية غير مقبولة.
وشكل حلفاء إيران البارزون، وهم نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وهادي العامري زعيم منظمة بدر وهمام حمودي زعيم المجلس الأعلى وقيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق، تكتلا جديدا أعلن رفضه الزرفي صراحة، فيما عمل بقوة على استمالة زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم إلى جانبه.
ورفع هذا الشعار “حقّ المكوّن الشيعي” في تسمية من يختاره لمنصب رئيس الوزراء، فيما يشبه “الانتفاضة للمذهب”، على حد تعبير مراقبين.
وبالرغم من أن الحكيم رفض الدخول في هذا التكتل الشيعي، إلا أنه اضطر للتخفيف من دعمه العلني للزرفي ولقرار تكليفه، وسط مؤشرات بأنه يريد امتصاص الضغط الإيراني حاليا.
وتقول المصادر إن الزرفي والحكيم وأطرافا شيعية أخرى، تحاول تحديد مدى قدرة استمرار إيران على التأثير في الشأن السياسي العراقي، بعد حالة الانكفاء التي فرضها عليها فيروس كورونا.
وبالنسبة إلى الحكيم، وقوى شيعية أخرى ربما، فإنه ليس مضطرا إلى الإصغاء للإيرانيين، إذا كانوا لا يمتلكون درجة تأثيرهم السابقة، لاسيما أن الحكيم موصوف في دوائر الحرس الثوري بميله إلى تجنب ارتداء العباءة الإيرانية سياسيا.
ويقول مراقبون إن وقوف الحكيم المتوقع خلال الأيام القادمة إلى جانب الصدر خلف الزرفي، قد يؤثر على مواقف قوى شيعية أخرى، من بينها المالكي.
وإن لم تكن إيران قادرة على توفير ما كانت توفره في السابق، فإن مغريات السلطة في العراق كثيرة، ويمكن أن تشكل تعويضا كبيرا. وعلى هذا الأساس، ربما يجري تفكيك الجبهة المناهضة للزرفي تدريجيا خلال الأيام القادمة.
وعلى مستوى العلاقات بين ممثلي الطوائف والقوميات، تبرز مفارقة لافتة، إذ أن الزرفي وخصومه الشيعة يعوّلان على الأدوات ذاتها في خوض هذه المواجهة، إذ يراهن كلاهما على علاقاته بالقوى السياسية السنية والكردية، للحصول على دعمها، ما يعني أن المرحلة المقبلة، ربما تشهد المزيد من التداعي والضعف في الأداء السياسي الشيعي.
وتكاد تكون فرص الزرفي مساوية لفرص خصومه الشيعة في نيل دعم الساسة السنة والأكراد، لأن الأمر يتعلق لدى المكوّنين الأخيرين بشكل الشراكة في الحكومة الجديدة، بغض النظر عمّن يشكلها.
ويقول الزرفي وخصومه إن السنة والأكراد سيذهبان مع من يعرض صفقة أفضل، في حال استمر الانقسام الشيعي الحالي.
ومن المتوقع أن تلعب القوى السياسية السنية والكردية التي تركز الآن على انتزاع مكاسب إضافية من الشريك الأكبر الضعيف، دورا غير مباشر، لتوحيد صفوف القوى السياسية الشيعية، خلف الزرفي، في مرحلة ما.
ويقول مراقبون إنه ليس من الصعب على الأحزاب الشيعية الموالية لإيران أن تقوم بإلغاء تكليف الزرفي بتشكيل الحكومة من خلال التصويت في مجلس النواب ولكن يقف بينها وبين القيام بذلك سؤال هو “من هو البديل؟”، مشيرين إلى أن الخلافات على أشدها في ظل عجز إيراني واضح عن تقريب وجهات النظر كما كان يحدث يوم كان قاسم سليماني رافعا عصاه في وجوه الجميع.
ويرى الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف أن استمرار العطلة الحكومية في ظل انهيار أسعار النفط وما يمكن أن يتعرض له العراق من هزات عنيفة ستؤدي حتما إلى اتساع دائرة الاحتجاجات، متوقعا أن تتنازل تلك الأحزاب وتقبل بتسوية، يكون من خلالها الزرفي رئيسا لحكومة محاصصة تضمن الأحزاب من خلالها استمرارها في الهيمنة على القرار السياسي.
وقال يوسف في تصريح لـ”العرب” إن الأحزاب سترى في الزرفي واجهة لمرحلة سيئة سيكون انهيار القطاع الصحي والعجز المالي أهم سماتها وهو ما سيُفشل قدرة رئيس الحكومة المقبلة على الإيفاء بوعوده في ما يتعلق بالسلاح المنفلت أو نوع العلاقة بإيران.
واعتبر أن كل هذا سيلقي بظلاله على المرحلة الانتقالية التي يفضل الجميع أن تمر بهدوء إلى أن تتضح الصورة سواء بالنسبة إلى تهديد وباء كورونا أو بالنسبة إلى انخفاض الدخل القومي بما لا يغطي الحد الأدنى من أداء الدولة، لافتا إلى أن الحديث عن تدوير الأزمة قد يكون محاولة لابتزاز الزرفي ومن يقف وراءه ليس إلا، وأنه في النهاية ستفضّل الأحزاب الشيعية حلا وسطا يكون بمثابة محاولة لتأجيل تفاقم أزماتها الداخلية.