يتساءل المراقبون وأهالي السجناء تحديداً، ما إذا كان الوقت قد حان لإصدار قانون العفو العام، الذي أصبح في عهدة مجلس النواب، وما إذا كانت وزارة الداخلية ستتخذ مبادرة ما في هذا السياق، ولاسيما أنّ السجون مسؤولية معنوية وإنسانية تقع اولاً على عاتقها، كما تتحمّل مسؤوليتها مختلف الأطراف السياسية في مجلس النواب التي تقرأ بكتابها الخاص تداعيات هذا الملف!
وفي ظلّ الحالة الراهنة لواقع السجون، نستذكر مطالب السجناء واحتياجاتهم من الجانب الإنساني، بعدما اتضح لوزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن ضرورة الطلب من وزارة الصحة رفد الجسم الطبي المتواضع في السجون بالأطباء والممرضين اللازمين لتأمين طبابة لائقة بالسجناء والتنسيق مع وزارة الشؤون الإجتماعية لتحسين الواقع المتردّي.
هذا الواقع، كشفت عنه الحسن في آخر حديث لها مع «الجمهورية» قبل استقالة الحكومة، فكيف يمكن تخيّل الوضع اليوم؟ وهل ستتمكن القوى الأمنية من السيطرة على الوباء في حال ظهر بين السجناء مثلما تمكنت أمس من السيطرة على حالات التمرّد؟
تساؤلات مشروعة عدة تُطرح:
- بعدما منحت الصين وايضاً ايران العفو العام لعدد كبير من السجناء في البلدين على أثر انتشار وباء «كورونا» المستجد، ماذا يمنع الحكومة اللبنانية لتحذو حذوهما، في خضم الأزمة الصحية التي تهدّد السجون اللبنانية المكتظة؟
- هل من خطة متكاملة ومعلنة لمكافحة الوباء في حال انتقلت العدوى الى السجون؟
- السجناء بالمئات في السجون، والمعلوم انّ اجهزة التنفس الموجودة في مستشفيات لبنان معدودة. فكيف ستواجه الدولة تفشي الوباء في حال حصل؟ وهل سيصار الى نقل المساجين الى سجون أخرى مجهّزة؟
- إذا انعدمت الإمكانية لذلك، لماذا لا تضغط وزارة الداخلية باتجاه إقرار قانون العفو وإخراج السجناء قبل ان يسبق السيف العذل؟
عن سبل الوقاية
- بلغ الاكتظاظ في سجن رومية 141 في المئة، وهناك اكثر من 2811 سجيناً في نظارات قصور العدل والقطاعات الإقليمية في لبنان التابعة لقوى الأمن الداخلي، فيما تشدّد اجراءات الوقاية على مسافة متر على الأقل بين شخص وآخر، فكيف تتعامل القوى الأمنية مع هذا الامر؟
- هل سيُسمح للمساجين باستخدام مواد التعقيم. والمعلوم انّ تلك المواد مثل غيرها من المواد المشابهة تُعدّ من الممنوعات داخل السجون لانّها تهدّد حياة السجناء؟
- في ظلّ شلل العَجَلة القضائية اليوم، وتوقف النيابات عن العمل! هل من المقبول انسانياً ان يُدفع الثمن من حساب حرّية المساجين!؟
بحسب التقرير النهائي الذي اعدّته «الجمهورية» عن واقع السجون اللبنانية قبل ازمة «كورونا»، تأكّد لنا بأنّ المعضلة الاساسية لسجن رومية في أبجدياته الاربع والأحداث والمحكومين، هي في الاكتظاظ وتأخير المحاكمات وعدم نقل البعض الى سجون اخرى وعدم تأمين الأدوية اللازمة للسجناء وضرورة زيادة عدد الأطباء المختصين. فيما أعلنت وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن عن خطة طريق، كشفت أنّها عرضتها امام ممثلي الدول والمنظمات المانحة من اجل الانتقال بالسجون الى نظام احتجاز تأهيلي. وقد تمّ تجهيز فريق للغاية يضمّ عدداً من الخبراء الاستشاريين والتقنيين، مهمته التنسيق مع المانحين، بهدف وضع صيغة لتطبيقها. وقد اجرى الفريق مسحاً شاملاً ومفصّلاً عن واقع السجون في كافة المناطق اللبنانية، وخلص المخطط الى ضرورة بناء 3 سجون في المناطق.
صحيح انّ طرح مجلس الوزراء مشروع قانون معجّل لإعفاء المحكومين الذين أمضوا مدة الحكم ولا يزالون في السجن بسبب عدم دفعهم الغرامة هو امر جيد، لكنه غير كافٍ، لأنّ عدد هؤلاء لا يشكّل النسبة المئوية الكبيرة من حالة الاكتظاظ، اذ يبلغ عددهم 125 سجناء أنهوا محكوميتهم.
انما المشكلة الحقيقية الذي يعلمها القاصي والداني، تكمن في شكوى السجناء من تأخير في المحاكمات، في وقت تتضاعف اليوم شكوى هؤلاء، بعد إقرار العفو لغيرهم ممن لا يستحقونه بخاصة «العملاء». كما انّهم يدفعون اليوم ثمن تأخير إضافي بسبب وباء «كورونا» المستجد .
التخوّف من الإنفلات الصحي
امام هذا الواقع والتخوّف من حالة الإنفلات الأمنية والصحية في السجون، وبعد الإطلاع على بيان وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ، نتساءل: هل سيتمكن الوزير الحالي من إيجاد الحل لملف السجون الشائك بعدما فشل أسلافه؟ وهل إصدار قرار العفو العام مطروح اليوم ام ما زال قراراً سياسياً بامتياز ولم ينضج بعد؟
وعليه، حملت «الجمهورية» مجمل تلك التساؤلات الى وزير الداخلية الحالية محمد فهمي، الذي من المفترض أن يكون من أبرز «المنقذين» في حكومة الإنقاذ، وأن يكون مطلعاً على «خارطة الطريق» التي وضعتها الوزيرة الحسن وعلى مسار تنفيذها. فأُفدنا بأنّ الاجوبة الدقيقة لملف السجون بحاجة الى دراسة مطولة، وبأنّ الوزير سيتابع هذا الملف، الذي يعتبره من الأولويات، وبأنّه سيرفدنا بالأجوبة مفصّلة... قريباً! بحسب مكتبه الإعلامي.