ينظر العالم بأسره اليوم الى بارقة أمل، باكتشاف لقاح لهذا الوباء الذي يصيب البشرية قاطبة وهو مما لا شك فيه الحدث الصحي الأبرز منذ عقود.
يمثل حقن أول مريض اليوم في سياتل (الولايات المتحدة) بارقة الأمل هذه. علما أن هذا اللقاح لن يكون متوفرا بشكل تجاري قبل عام أو عام ونصف من الآن كما أشار مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنطوني فاوشي.
لم يتعلم المجتمع العلمي والطبي، خلال الفترة القصيرة نسبيا من عمر انتشاره الكثير عنه. ولا زالت الداتا المجمعة عنه تفتقر الى الكثير من المعلومات. فنحن لا نعلم مثلا ان كان هذا الفيروس سيتصرف كباقي الفيروسات الموسمية وان كانت سرعة انتشاره ستتغير مع اقتراب فصل الصيف.
سياسة لبنان الصحية، كما العديد من الدول تعتمد على مبدأ التباعد الاجتماعي (social distancing) وبذلك يتم تلقف المرض بترو وبطء مع محاولة السيطرة على اعداد الاصابات. مع العلم ان المرض لو ترك لينتشر بشكل طبيعي وتدريجي سيصيب شريحة واسعة من المجتمع ربما تصل الى ٦٠ او ٧٠ بالمئة. وبحسب هذا السيناريو أعداد المصابين الذين سيحتاجون الى عناية طبية استشفائية ستصل الى ٢٠ بالمئة من تعداد السكان و٥ بالمئة سيحتاجون الى عناية بغرف العناية الفائقة مع وفيات تتعدى ال٣%. واذا تم احتساب هذه النسب على تعداد سكان لبنان فمن المؤكد ان الأرقام سوف تكون كارثية وسنكون امام مشهد سريالي. ومن المؤكد أنه لا يوجد نظام صحي عالمي قادر على استيعاب هذه الأعداد ما سيؤدي حكما الى ازدياد نسب الوفيات. بحسب نماذج احصائية رياضية أجراها التجمع الأكاديمي لأساتذة الجامعة اللبنانية كان من الممكن أن نصل الى ٥٠٠٠٠ اصابة في منتصف نيسان لولا الاجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية.
اذا بحسب هذه السياسة الصحية، المطلوب اطالة فترة تلقف الوباء الزمنية قدر الامكان حتى لا يغرق الجسم الطبي ويزداد معدل الوفيات نتيجة لذلك.
بالمقابل، السياسة الصحية البريطانية اعتمدت سياسة مناعة القطيع أو الجماعة (Herd immunity)، وهذه السياسة مرتكزة على تقليل الخسائر الاقتصادية وتسريع فترة احتواء المرض، حيث يتم عزل الاشخاص الاكثر ضعفا وتلقي المرض بشكل طبيعي ( لم تقفل المدارس ابوابها)، فتتشكل مناعة عند شريحة واسعة في المجتمع بنسبة ٧٠%، ما يحمي بالمستقبل المجتمع بكامله كما يحمي الاشخاص الأكثر ضعفا. فبحسب هذه النظرية، حتى لو تمت السيطرة على فيروس كورونا نسبيا مع قدوم الصيف سيعاود الانتشار مجددا في الخريف المقبل اذا لم يكن المجتمع قد اكتسب هذه المناعة مسبقا. يبدو أن الحكومة البريطانية بدأت بالتراجع تدريجيا عن اعتماد هذه السياسة والميل الى سياسة التباعد الاجتماعي وذلك بعد اعادة قراءة الأرقام المسجلة في ايطاليا وبقية القارة الأوروبية، وهذا ما عبر عنه اليوم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
لا زال الكثير مجهولا أمام هذا الفيروس الجديد، أي أننا وبعد مواجهة هذا الموسم الفيروسي الذي سيستمر الى حزيران وتموز، ربما ينتظرنا موسم آخر في الخريف القادم قبل جهوزية اللقاح، وحتى ذلك الحين علينا اتباع سياسات صحية صعبة ومكلفة.
كما ومما لا شك فيه أنه ستكون لهذا الوباء وانتشاره تبعات اقتصادية وسياسية هائلة على العالم كله.
د. حسام أبو حمدان