القرار الصادر عن المحكمة العسكرية بإطلاق سراح العميل عامر الفاخوري وكف التعقبات عنه بذريعة مرور الزمن،على أركان السلطة اللبنانية. ووضع السلطة كلها أمام إستحقاق الحق الذي ينشده اللبنانيون الآملون بسلطة قضائية نزيهة يكون تشكيلها مدخلاً للإصلاح العام في البلاد. لكن من لا يعمل إلا بالتراضي والمساومة، حوّل القضاء لديه بأحكامه وتشكيلاته، إلى ورقة خاضعة للمساومة، من رفض توقيع التشكيلات القضائية التي لم يسجل فيها أي تدخل سياسي، إلى توليفة اخراج العميل عامر الفاخوري، التي أتت بفعل إصرار سياسي على إطلاق سراحه سريعاً لتجنب العقوبات الأميركية. مرة جديدة، ولحسابات خاصة وضيقة تسقط الدولة بهيبتها وقضائها على مذبح السياسة والسياسيين، في ظل انشغال اللبنانيين بهمومهم للحفاظ على حياتهم ولقمة عيشهم ما بين أزمة كورونا والأزمة الإقتصادية الخانقة. تحت جنح التعبئة العامة اتخذ القرار من قبل المحكمة العسكرية بإسقاط التهم عن الفاخوري، بينما اتجه مدعي عام التمييز إلى طلب الملف لتمييز الحكم. كان الأميركيون قد كثفوا من ضغوطهم. وتلقى رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أكثر من رسالة، حول ضرورة إنهاء هذا الملف. باسيل بدوره طلب من حزب الله ثلاث مرات مساعدته على إطلاق سراح فاخوري. لكن الحزب لم يعط جواباً واضحاً، مفضلاً عدم التدخل بهذا الموضوع، لأنه لا يمكن التساهل في هكذا قضية ستثير اللبنانيين. كما أن الحزب لم يكن مستعداً لتكرار تجربة العميل فايز كرم.
اقرا ايضا : المراوحة سيد الموقف وتسليم بإفلاس غير معلن
أصر باسيل على طلبه. فطلب مساعدة حزب الله له بشكل شخصي، لأن استمرار توقيف فاخوري سيؤدي إلى فرض عقوبات على باسيل، خصوصاً أن هناك رأياً أميركياً بأنه تم تشجيع فاخوري على العودة في ظل إثارة ملف إعادة المبعدين من إسرائيل، ولكن تم توقيفه والجميع أراد التنصل منه. كرر باسيل مطالبه، لتجنب تعرضه لعقوبات أميركية. وهو كان يبحث مع حلفائه السياسيين في كيفية تحسين علاقاته الخارجية، واتخاذ مواقف تؤدي إلى إعادة تعويمه دولياً، بعد كل المشاكل التي عاناها سابقاً، والتي بحال استمرارها ستؤدي إلى المزيد من محاصرته. لقد كان الفاخوري من اللحظة الأولى موضوع ضغط أميركي على لبنان. خضع العهد بأركانه إلى الضغوط، وحاولوا ممارستها على القاضية نجاة أبو شقرا، التي رفضت أي مساومة، وطلبت حكم الإعدام للعميل الملقب بجزار الخيام. لكن محاولات الإلتفاف على القانون والتحايل إستمرت. حاول هؤلاء الذين أقنعوا الفاخوري بالعودة وبعد توقيفه تنصلوا منه، أن يسحبوا أيديهم من الملف، وان يحيلوا الأمر على ابو شقرا والقاضي طاني لطوف. لكن لم ينجحوا طوال الأسابيع الماضية. وفي هذا السياق وصلت تحذيرات شديدة اللهجة إلى فريق الحُكم، بأنه بحال عدم إطلاق سراح الفاخوري فإن عقوبات ستفرض على لبنان. وصل الحاكمون إلى حائط مسدود، أجروا الإتصالات اللازمة ببعض القضاة لإيجاد تخريجة قانونية، فاجترحت صيغة إسقاط التهم بمرور الزمن. لن يحصل لبنان على مساعدات أميركية أو على تليين في الموقف الأميركي بعد إطلاق سراح الفاخوري، لكن ثمة سؤال يفرض نفسه هل ثمة مقايضة حصلت بموضوع الفاخوري أو فقط ربما سيكون رئيس التيار الحاكم قد تجنب فرض عقوبات أميركية عليه، في إطار المسعى الجديد الذي يقوم به محاولاً إعادة تلميع صورته وعلاقاته الخارجية من البوابة الأميركية.