لم تتمكّن حكومة الداخل الجديد الى السراي الحكومي، من نيل ثقة تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» وحزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» عند مثولها أمام مجلس النواب. وعلى رغم من «عدم الثقة»، فإنّ هذه القوى المعارضة، باستثناء حزب «الكتائب» الذي امتنع عن حضور جلسة الثقة، منحت حكومة دياب فرصة للعمل والإنجاز. وبعد شهرين على ولادتها، لم تتمكّن الحكومة الثالثة في عهد الرئيس ميشال عون، من إقناع معارضيها بأيّ خطوة اتخذتها، ولم تحظَ حتى الآن بثقة أيّ ممّن حجبوا الثقة عنها.
هذه الحكومة وصلت الى السلطة في لحظة انهيار، وورثت مشكلات متراكمة وأزمات متفاقمة وإخفاقات سنوات، ووُضعت أمام امتحان مصيري، إذ رُبط فشلها بانهيار البلد ونجاحها بإنقاذه. وبالتالي لا يُمكن مُحاسبتها بعد شهرين فقط من بدء حُكمها. وعلى رغم من أنّ هذه الفترة غير كافية للإنجاز وبالتالي للحُكم على عمل الحكومة، إلّا أنّ لبنان شهد خلالها استحقاقات مُلحّة وداهمة وأحداثاً طارئة، يُستشفّ من تعاطي هذه الحكومة معها، مدى جدوى عملها وقدرتها على اتخاذ القرارات والإنجاز والإصلاح. وانطلاقاً من ذلك، تتعرّض لانتقادات المعارضين منذ «دعستها» الأولى على أرض السلطة، بدءاً من تبنّيها الموازنة العامة وخطة الكهرباء اللتين أقرتهما الحكومة السابقة، الى تعاطيها مع صندوق النقد الدولي ووباء «كورونا».
وعلى رغم معارضة كلّ قوى 14 آذار هذه الحكومة، تكويناً وعملاً، واعتبار أنّها مشوبة بخطيئة أصلية وهي تأليفها على يد قوى 8 آذار، وأنّها لن تتمكّن من تأدية العمل المطلوب منها إذ إنّ قراراتها ستكون محدودة بسقف القوى السياسية التي ألّفتها وعيّنت وزراءها، إلّا أنّ القوى المعارضة لم تتوحّد حتى الآن ضمن جبهة واحدة ومنظّمة، لكي تكون معارضتها فاعلة وهادفة. وتعدّد مصادر معارضة، أسباب عدم نشوء معارضة سياسية جبهوية في وجه حكومة «اللون الواحد»، كالآتي:
- أولاً، إنّ نشوء أيّ إطار جبهوي يتطلّب ظروفاً موضوعية وسياسية لكي يتكوّن. إذ إنّ جبهة 14 آذار نشأت بعد تطوّر ظروف وحّدت مجموعة قوى سياسية منذ عام 2000، وتبلورت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتجمّع 8 آذار بقيادة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، تحت عنوان «شكراً سوريا». وبالتالي، إنّ نشوء حالة جبهوية مثل «14 آذار» يتطلّب مساراً وظروف سياسية ولحظة وطنية.
ـ ثانياً، على رغم من أنّ وراء تكوين هذه الحكومة 3 قوى أساسية، هي العهد و»الثنائي الشيعي»، وأنّها ليست حكومة اختصاصيين بل حكومة تكنوقراط سَمّت مرجعيات سياسية وزراءها، إلّا أنّها لم تعلن أنّها حكومة 8 آذار، ولم تتبنّها أي جهة سياسية أو تعلن جهاراً أنّها حكومة مواجهة حالة 14 آذار السياسية والإنقلاب على هذه اللحظة الوطنية. فحتى السيد نصرالله طلب عدم اعتبارها «حكومة حزب الله» واعطائها فرصة لكي تتمكّن من جلب مساعدات من الخارج.
ـ ثالثاً، اللحظة المالية الدقيقة تفرض على جميع اللبنانيين، من مواطنين وقوى سياسية، التعلّق بخشبة خلاص لإنقاذ لبنان، لأنّ هذه الأزمة غير المسبوقة منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية، لا تستثني أيّ طرف وتُطاول الشعب اللبناني بكامله، وفي حال استمرّت ستُغرق لبنان بانهيار شامل وقد توقِعه في الفوضى. وبالتالي، تستدعي المسؤولية من جميع الأطراف إعطاء فرصة لمحاولة الإنقاذ، لأنّ الأزمة لا تترك مجالاً للدخول في مواجهات سياسية، فيما عنوان المرحلة الراهنة الأساس هو العنوان الإقتصادي - المالي.
ـ رابعاً، يجب الأخذ في الاعتبار «انتفاضة 17 تشرين» وأنّ هناك حالة ثورية جديدة والبلد لم يعد منقسماً بين 8 و14 آذار، وبالتالي إنّ العودة الى هذا الانقسام التقليدي تُعدّ اختزالاً لثورة الناس في 17 تشرين الأول 2019.
ـ خامساً، الإصطفافات تنضج وفق الظروف وحسب اتجاه الأوضاع المالية والوطنية. وإنّ دينامية الأحداث هي الكفيلة بأخذ المعارضة الى إطار جبهوي أو سياسي أو توسيع التحالفات.
ـ سادساً، العلاقات بين قوى 14 آذار تحتاج الى إعادة تقويم للمرحلة السابقة ولتحديات المرحلة الجديدة، ولطريقة مقاربة الملفات، سواء على المستوى السيادي أو على صعيد إدارة الدولة.
وفي حين كانت جهات حزبية معارضة تعمل على تنظيم المعارضة وتوسيعها لتشمل قوى 14 آذار و»ثوار» 17 تشرين، يقول أحد العاملين على هذا الخطّ: «في مختلف الأحزاب المعارضة هناك مجموعة من الكوادر المقتنعة بضرورة توحيد وجهات النظر والتنسيق الكامل في مواضيع محددة، وأن يكون لدى المعارضة خطة عمل ورؤية للمعالجة والحلول في حال سقطت الحكومة». ويشير إلى أنّ «الوضع الإقتصادي الضاغط فرضَ على القوى السياسية المعارضة إعطاء الحكومة فرصة للعمل حرصاً على المصلحة العامة، على أن تُقرّر هذه القوى في مرحلة ثانية، وبعد استشفاف قدرة الحكومة على العمل، كيف ستنظّم معارضتها. لكنّ «الوضع الكوروني» الطارئ فرض خطره على المعادلة، وعدّل مسار كلّ التوجهات والأولويات ودفع الى نوع من التضامن الوطني، بدلاً من الذهاب الى معارضة لن تؤتي ثماراً فورية في هذه اللحظة».
وفيما كان الوضع الإقتصادي ـ المالي يتصدّر الروزنامة اللبنانية، يحتلّ وباء «كورونا» الآن سُلّم الأولويات، على المستويين الرسمي والشعبي، وتتركّز كلّ الجهود لمحاولة احتوائه ومنع تفشّيه. ويقول نائب مُعارض، إنّ «بعد كورونا ليس كما قبله»، إذ إنّ عدم جهوزية لبنان لمواجهة خطر كهذا، برهن مرّة جديدة أنّ حماية اللبنانيين لا يُمكن أن تتحقّق إلّا من خلال دولة قوية. وإنّ كلّ القوى السياسية المقسومة بين 8 و14 آذار، والتي شكّلت الطبقة الحاكمة منذ ما قبل آذار 2005، لم تتمكّن من بناء دولة قوية، أكانت متحالفة أو متنازعة، لا بل إنّها دمّرت المؤسسات التي أُنشِئت قبل سبعينات القرن الماضي، ولم تتمكّن الحرب الأهلية من تدميرها».