يسعى وزير التربية، من خلال التعاميم الصادرة عن مكتبه الإعلامي، الى ابراز طريقة "التعليم عن بعد" ظنا منه أنها الوسيلة الناجعة أمام صعوبات الظروف الراهنة، على غرار بعض الدول المتطورة تقنيا وثقافيا..
لكن، ربما لا يدرك أن هكذا طرق حديثة في التعليم لا يمكن أن تتسق مع البيئة اللبنانية بكل تعقيداتها وبامكاناتها، تبعا للأسباب التالية:
- تحتاج طريقة "التعليم عن بعد"، كعملية فصل بين المتعلم والمعلم، الى توفر مناهج تربوية معاصرة تنسجم مع بنية الموضوعات المطلوب إدراجها في الوسائل التقنية، على خلاف بعض الانظمة التربوية الغربية التي تعتمد ذلك، بصورة حصرية واستثنائية لا بشكل شامل..
- تحتاج هذه الطريقة الى توفر شبكة الانترنت بدرجة غير متفاوتة بين الأسر، التعليمية أو العائلية، لأن اعتماد هكذا طرق يفترض مجتمعا متجانسا لا متغايرا وطبقيا كما هي الحال في المجتمع اللبناني الذي تدور في متنه المواد التكنولوجية والتقنية في حلقة خلافية، لأسباب قيمية ومادية وثقافية، وهذا ما لا ينجسم مع فلسفة الانظمة التربوية او التعليمية، على اعتبار ان وظيفة "التربية"، في نهاية المطاف، تكمن في محو، قدر المستطاع، الاختلافات، على اشكالها، لا تكريسها بأدوات رسمية واعتبارية..
- اذا كانت الظروف الصحية المستجدة، هي من تدفع وزير التربية، الى التفكير بهذه الطرق، بهدف استمرار العام الدراسي ليس الا، فإن بمقدوره، على سبيل المثال لا الحصر، أن يعلن، بتعميم ما، بالتنسيق مع مجلس الوزراء، اعادة الاعتبار الى جهاز الارشاد الصحي، والعمل على زيادة العاملين فيه من خلال جيش من الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بلا عمل، والحاقهم، اذا سمحت الظروف، نسبيا، في المدارس والثانويات، بهدف تطبيق ومراقبة التدابير الصحية في كل مدرسة على حدة، والعمل، بعد ذلك، على اختصار العام الدراسي، وفق مقتضيات يحددها المركز التربوي للبحوث والانماء، لأننا بصدد ازمة مؤقتة لا بنيوية كما يراد تصويرها اعلاميا..
- لما كان بعض الدول، يعاني من المرض المشكو منه، قد تماشى مع اسلوب "التعليم عن بعد"، عبر شاشات التلفزة، من خلال برامج أكاديمية بحتة، فإن تطبيقه على الواقع اللبناني لا يسمح بتاتا، لعدم جهوزية التلفزيون الرسمي اللبناني أن يلعب هكذا دور، بعدما جعلته الدولة، ولو ضمنيا، مأوى الذكريات والبرامج التقليدية، مع كامل الاحترام لبعض العاملين فيه!
علاوة على ان معظم القنوات التلفزيونية الخاصة في لبنان، تحتاح، اساسا، الى إرشاد تربوي بحد ذاته، لخروجها عن القواعد القيمية الواجب غرسها في نفوس الاعلاميين قبل الطلاب!
جهاد اسماعيل